إن تجربة موسى عليه السلام في تغيير الشعوب من أضخم التجارب، فقد واجه بدعوته المباركة أعتي ملوك الأرض في زمانه، وأقدمهم عرشًا، وأثبتهم ملكًا، وأعرقهم حضارة، وأشدهم تعبدًا للخلق واستعلاء في الأرض.
لقد حان وقت خلاص بنى إسرائيل من الظلم والاضطهاد والعسف والجور، وأكمل موسى عليه السلام مدته في أهل مدين، وعزم على التكليف الرباني بالرسالة والنهوض بالشعب المستضعف من قبل رب العالمين لموسى الكليم، وأمده المولى عَزَّ وَجَلَّ بالمعجزات الواضحة والبراهين الدامغة والأدلة الساطعة.
وأمره بالذهاب إلى القوم الفاسقين لإقامة الحجة على الفراعين وتخليص بنى إسرائيل من ظلم العبودية وظلم العباد وقسوة الفراعنة حتى يعبدوا الله أحرارًا، ولم يتردد موسى عليه السلام في طلب العون من مولاه وربه ومبتغاه، قال سيد قطب رحمه الله: لقد استجاب ربه رجاءه وشد عضده بأخيه، وزاده على ما رجاه البشارة والتطمين ﴿وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا﴾ [القصص: ٣٥]، فهما لن يذهبا مجردين إلى فرعون الجبار، إنما يذهبان إليه مزودين بسلطان لا يقف له في الأرض سلطان، ولا تنالهما معه كف طاغية ولا جبار ﴿فَلاَ يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَا﴾ [القصص: ٣٥]، وحولكما من سلطان الله سياج ولكما منه حصن وملاذ، ولا تقف البشارة إلى هذا الحد ولكنها الغلبة للحق، والغلبة لآيات الله يجابهان بها الطغاة، فإذا هي وحدها السلاح القوي وأداة النصر والغلبة ﴿بِآيَاتِنَا أَنتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ﴾ [القصص: ٣٥] (١).
إن موسى عليه السلام باشر في تنفيذ أمر ربه سبحانه وتعالى، وأيده بالمعجزات وصدع بكلمة الحق أمام فرعون الطاغية الجبار، وأقام عليه الحجة والبراهين، والأدلة على صدق رسالته وتعرّض فرعون وقومه بالأخذ بالسنين والنقص في الثمرات وابتلاهم الله بالقمل والضفادع والدم وغير ذلك.

(١) في ظلال القرآن (٥/٢٦٩٣).


الصفحة التالية
Icon