ولم يؤمن الجبار العنيد؛ بل اتهم موسى الكليم بالسحر وقرّر أن يجمع كل السحرة للوقوف أمام دعوة الحق التي يقودها رسول الله موسى عليه السلام.
واجتمع الفريقان لميقات يوم معلوم، وبدأ السجال، وألقى السحرة إفكهم وخداعهم ثمّ عرج موسى عليه السلام على باطلهم بالحق المبين، بإلقائه العصا التي انقلبت إلى حية تسعى، فإذا هي تلقف ما يأفكون وكانت الجولة والصولة.
قال تعالى:﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ - فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ - فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانقَلَبُوا صَاغِرِينَ﴾ [الأعراف: ١١٧- ١١٩].
قال صاحب الظلال:
(إنه الباطل ينتفش ويسحر العيون ويسترهب القلوب ويخيل إلى الكثيرين أنه غالب، وأنه جارف وأنه محق، وما هو إلا أن يواجه الحق الهادئ الواثق حتى ينفشئ كالفقاعة، وينكمش كالقنفذ، وينطفئ كشعلة الهشيم، وإذا الحق راجح الوزن ثابت القواعد عميق الجذور، والتعبير القرآني هنا يلقى هذه الظلال وهو يصور الحق واقعًا ذا ثقل﴿فَوَقَعَ الْحَقُّ﴾ وثبت واستقر وذهب ما عداه فلم يعدله وجود ﴿وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ وغلب الباطل والمبطلون وذلوا وصغروا وانكمشوا بعد الزهو الذي كان يبهر العيون ﴿فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانقَلَبُوا صَاغِرِينَ﴾ ولكن المفاجأة لم تختم بعد والمشهد ما يزال يحمل مفاجأة كبرى:﴿وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ - قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ - رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ﴾ [الأعراف: ١٢٠- ١٢٢].
إنها صولة الحق في الضمائر، ونور الحق في المشاعر، ولمسة الحق للقلوب المهيأة لتلقى الحق والنور واليقين) (١).

(١) في ظلال القرآن (٣/١٣٥٠).


الصفحة التالية
Icon