ويرى ابن تيمية - رحمه الله -: (أن هذا المجتمع الكافر لا بدّ أن يكون لهم عادة وسنة في قبض الأموال وصرفها على حاشية الملك وأهل بيته وجنده ورعيته، ولا تكون جارية على سنة الأنبياء وعدلهم، ولم يكن يوسف يمكنه أن يفعل كل ما يريد، وهو ما يراه من دين الله، فإن القوم لم يستجيبوا له، لكنه فعل الممكن من العدل والإحسان، ونال بالسلطان من إكرام المؤمنين من أهل بيته ما لم يكن أن يناله بدون ذلك - وهذا كله داخل في قوله تعالى: ﴿فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾ [التغابن: ١٦]) (١).
لقد اعترض المانعون على المجيزين في استدلالهم بقبول يوسف عليه السلام للوزارة وقالوا: إن شرعنا لا يجيز تولى الوزارة في ظل حاكم غير مسلم، وأما تولى يوسف للوزارة فهو شرع لمن قبلنا، وشرع من قبلنا ليس بشرع لنا إذا جاء في شرعنا ما ينقضه.
ورد المجيزون على هذا الاعتراض بوجوه:
الوجه الأول: أن شرعنا وشرع يوسف عليه السلام بل شرائع الأنبياء جميعًا متفقة في تقرير حاكمية الله تبارك وتعالى.
فيوسف عليه السلام يقرر في مخاطبته للفتيين اللذين دخلا معه السجن أن الحكم لله وحده ﴿إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ للهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ﴾ [يوسف: ٤٠].
ويشرح الأستاذ سيد -رحمه الله- كلمة يوسف هذه بقوله: إن الحكم لا يكون إلا لله، فهو مقصور عليه سبحانه بحكم ألوهيته، إذ الحاكمية من خصائص الألوهية، من ادعى الحق فيها فقد نازع الله سبحانه أولى خصائص الألوهية (٢).
ويوسف عليه السلام الذي يعلم هذا الحكم المقرر في جميع الأديان هو الذي يتولى منصب عزيز مصر، ويقول للملك:﴿اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ﴾ [يوسف: ٥٥].

(١) مجموع فتاوى شيخ الإسلام (٢٠/٥٦، ٥٧).
(٢) في ظلال القرآن (١٢/١٩٩٠).


الصفحة التالية
Icon