فيتولى هذا المنصب وهو يعلم أن للملك نظامًا وشريعة لا يستطيع أن يزيحها بين عشية وضحاها: ﴿مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ﴾ [يوسف: ٧٦].
يقول سيد قطب في الظلال: (إن هذا النصر يحدد مدلول كلمة الدين في هذا الموضوع تحديدًا دقيقًا، إنه يعنى نظام الملك وشرعه، فإن نظام الملك وشرعه ما كان يجعل عقوبة السارق هو أخذه في جزاء سرقته) (١).
فإذا كان فقه يوسف للحاكمية هو نفس الفقه المقرر في شريعتنا ومع ذلك تولى الوزارة فإنا نجزم في هذا المقام بأمرين:
١- أن توليه للوزارة لم يناقض عقيدته في كون الحاكمية لله وحده.
٢- وأنه لم يكن مخطئًا عندما تسلم الوزارة، لأنه نبي معصوم.
الوجه الثاني: ومما يدل على نفى هذه الشبهة وإبطالها إخبار الحق تبارك وتعالى أن استلام يوسف الوزارة كان رحمة ونعمة ولم يكن عذابًا ونقمة، ﴿قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ - وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَن نَشَاءُ وَلاَ نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ﴾ [يوسف: ٥٦، ٥٥].
فالله يقرر أن تسلم يوسف للوزارة هو من باب التمكين له في الأرض، وأنه رحمة أصابه بها وأنه أجر دنيوى عاجل، وما ينتظره من الثواب الآجل أعظم وأكبر ﴿وَلأَجْرُ الآَخِرَةِ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ﴾ [يوسف: ٥٧].
ويوسف عليه السلام يصرح بأن تسلمه للحكم كان من نعمة الله عليه، ولم يكن نقمة:﴿رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالآَخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ﴾ [يوسف: ١٠١].

(١) في ظلال القرآن (١٣/٢٠٢٠).


الصفحة التالية
Icon