قال تعالى: ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللهُ مَن يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ [الحديد: ٢٥] فالكتاب والميزان هما: ما نقل صدقًا، وما شرع عدلاً لإقامة الناس على شريعة الحق اتباعًا للرسل، فمن أبى فقد جعل الحديد رادعًا لكل معاند بعد قيام الحجة(١). إن إقامة حكم الله على المجتمع من خلال الدولة عهد وميثاق ذكره الله تعالى في قوله: ﴿وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُم بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾ [المائدة: ٧] فهذا تذكير من الله لعباده المؤمنين بنعمته عليهم في الشرع الذي شرعه لهم في هذا الدين العظيم، المرسل به الرسول الكريم، وأخذ للعهد والميثاق عليهم في متابعته ونصرته وإبلاغه والقيام به، وهذا مقتضى البيعة التي كان الصحابة يبايعون عليها رسول الله - ﷺ -، على السمع والطاعة في المنشط والمكره، كما أن الإخلال بعهد الحاكمية جاهلية، قال تعالى: ﴿أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾ [المائدة: ٥٠] ففي الآية الكريمة إنكار وتوبيخ وتعجب من حال من يتولى عن حكم الله وهو يبغي حكم غيره، والآية تعبير لليهود بأنهم مع كونهم أهل كتاب وعلم يبغون حكم الجاهلية التي هي هوى وجهل لا يصدر عن كتاب ولا يرجع إلى وحي(٢). إن تحقيق الحاكمية، تمكين للعبودية، وقيام بالغاية التي من أجلها خلق الإنسان والجان، قال تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات: ٥٦] أي
(٢) تفسير ابن كثير (٤/٢٣٩).