ليطيعوه وحده لا شريك له(١). وإن المفهوم الواسع الرحيب للعبادة ليشمل علائق وأعمالا كثيرة، منها ما يمكن أن يقيمه الأفراد ومنها ما لا يمكن تحقيقه على الوجه الأكمل إلا في ظل دولة الإسلام، أو بمعنى آخر: منها ما يتم بالتحاكم ومنها ما يتم بالحكم، ولاشك أن دولة الإسلام تقصد إلى تهيئة المجتمع الإسلامي للقيام بالعبادة بهذا المعنى الشامل، ونحن عندما نقول إن الدولة في الإسلام تقصد إلى تحقيق العبودية فالمراد أنها تحمي أصول هذه العبودية ولا تمكن أحدا من الاعتداء عليها كما يحدث في الدول التي لا تحكم بما أنزل الله.
وإذا كان للعبادة أصلان أحدهما: أن لا يُعبد إلا الله.
والثاني: أن يُعبد بما أمر وشرع(٢)، فإنه مما لا شك فيه أن دولة الإسلام مسئولة عن حماية هذين الأصلين بمحاربة الشرك في داخلها وتعمل على تقليص نفوذه خارجها، وهي تحمي الشرع ضد من يعتدي عليه بابتداع أو تحريف أو تغيير أو تبديل، وكل ذلك يعين على تحقيق العبودية لله على الوجه المرضي، وعلى حماية الدين من دخائل وانتحالات المضلين، وبهذا تكون الدولة إسلامية بالمعنى الصحيح، فلا ينبغي أبدا قصر مفهوم إقامة الدين على العبادة بمعنى إقامة الشعائر، واعتبار الدولة التي تظهر بعض هذه الشعائر مقيمة للدين، ومظهرة للعبودية بادعاء أنها تقيم من الإسلام أهم ما فيه وهو العبادة.
يقول الشيخ أحمد شاكر: «فمن زعم أن الدين عبادة فقط، فقد أنكر كل هذا(٣)، وأعظم على الله الفرية، وظن أن لشخص كائنا من كان، أو لهيئة كائنة من كانت أن تنسخ ما أوجب الله من طاعته والعمل بأحكامه، وما قال هذا مسلم قط، ولا يقوله، ومن قال فقد خرج عن ملة الإسلام جملة ورفضه كله، وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم»(٤).

(١) المصدر نفسه.
(٢) مجموع الفتاوى (١٠/١٧٣).
(٣) يقصد بقية أمور الشريعة المتعلقة بالسياسة والاقتصاد والاجتماع.
(٤) الكتاب والسنة يجب أن يكونا مصدر القوانين في مصر، ص٨٩.


الصفحة التالية
Icon