إن كلمة التوحيد «لا إله إلا الله » أقرت أن الحاكمية لله عز وجل، وهي من أولى خصائص الألوهية، التي ينفرد بها سبحانه وتعالى، وليس لأحد من البشر كائنا من كان، أن يدعيها، فالمشرع والمحل والمحرم هو الله عز وجل، ومما لا شك فيه أن مفهوم الحاكمية يشمل جميع نواحي الحياة الإنسانية، فإلى جانب العلاقة بين الإنسان وخالقه من شعائر تعبدية، فإن هذا المفهوم يشمل أيضا العلاقات بين الإنسان ونفسه، والعلاقة بين الإنسان وأسرته وأقاربه، وما له عليهم وما لهم عليه من حقوق التربية والرعاية مثلا، وكذلك علاقة الإنسان بأخيه الإنسان وأخيرا علاقة الإنسان بالسلطة الحاكمة، فيطيعها ما دامت مطبقة لشرع الله ومنفذة لأوامره(١).
لقد كانت الشريعة الربانية مهيمنة على المجتمع النبوي، والمجتمع الراشدي، وفي العصر الأول يتجلى في زمن عمر بن عبد العزيز الذي صبغ أوامر دولته وإجراءاته في كل شئون الدولة بصبغة الله تبارك وتعالى، وذلك ما أعلنه - رضي الله عنه - منذ الساعات الأولى لتولية أمر المسلمين، إذ قال: «يا أيها الناس: إنه ليس بعد نبيكم نبي، وليس بعد الكتاب الذي أنزل عليكم كتاب، فما أحل الله على لسان نبيه فهو حلال إلى يوم القيامة، وما حرم الله على لسان نبيه فهو حرام إلى يوم القيامة، ألا إني لست بقاض، وإنما أنا منفذ لله، ولست بمبتدع، ولكني متبع، ألا إنه ليس لأحد أن يطاع بمعصية الله عز وجل...»(٢).
ويتضح من هذا، إدراك عمر لمفهوم الحاكمية لله عز وجل، وإنه عازم على تطبيق حكم الله في كل أمر، وأنه منفذ لله، وبذلك يحقق الخلافة في الأرض بتطبيق شرعه في خلقه، وذلك ما يبعث الله الرسل من أجله.

(١) انظر: النظام السياسي في الإسلام، د. محمد أبو فارس، ص٢٣.
(٢) انظر: سيرة عمر بن عبد العزيز لابن الحكم، ص٣٥، ٣٦.


الصفحة التالية
Icon