كما كتب - رضي الله عنه - إلى العمال، فقال: «أما بعد: فإن الله بعث محمدا - ﷺ -: ﴿بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾ [التوبة: ٣٣] وإن دين الله الذي بعث به محمد - ﷺ - كتابه الذي أنزل عليه أن يطاع الله فيه، ويتبع أمره، ويجتنب ما نهى عنه، وتقام حدوده، ويعمل بفرائضه، ويحل حلاله ويحرم حرامه، ويعترف بحقه، ويحكم بما أنزل فيه، فمن اتبع هدى الله اهتدى، ومن صد عنه ﴿فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ﴾ [الممتحنة: ١] وأن من طاعة الله التي أنزل في كتابه أن يفتح لأهل الإسلام باب الهجرة، وأن توضع الصدقات والأخماس على قضاء الله وفرائضه، وأن يبتغي الناس بأموالهم في البر والبحر، لا يمنعون ولا يحبسون» (١).
ففي هذا الكتاب نقل عمر مفهوم مبدأ الحاكمية لله إلى عماله، وأنه يرغب إليهم تطبيق ذلك المبدأ على حقيقته، حيث يتبين أنه عزم أن يكون أي قرار أو إجراء يتخذ في كل أنحاء الدولة، بالنسبة لأي أمر كان، لابد أن يخضع لحكم الله عز وجل وتجري عليه سنة رسوله - ﷺ -، وبذلك يكون تطبيق هذا المبدأ الأساسي، من قبل كافة الولاة والعمال، في كل أنحاء الدولة الإسلامية، بل ونجده في آخر الكتاب أوضح أن هناك قرارات إدارية شرع في اتخاذها في حينه، مثل فتح باب الهجرة، وأن تكون الإجراءات المالية حسب قضاء الله، وأن تكون هناك حرية استثمار الأموال برا وبحرا، فكانت تأكيدا ودليلا للولاة، بأنه عازم على إدارة الدولة في دائرة شرع الله وحكمه، وأن ذلك من طاعة الله التي أنزل في كتابه الكريم، فأصدر أمر التنفيذ وقرنه بالتطبيق(٢).
إن الدولة الإسلامية تجعل دستورها مستمدًا من كتاب الله وسنة رسوله - ﷺ -، وتستمد منهما أمهات الأخلاق وأساسيات العقائد، فهو قانونهم الأكبر الذي ترجع إليه كل القوانين الفرعية.
(٢) انظر: إدارة عمر بن عبد العزيز، محمد القحطاني، ص٢٧٨.