إن الشورى واجبة على الحاكم في الشريعة الإسلامية، وإلى هذا القول ذهب كثير من العلماء والفقهاء، فلا يحل للحاكم أن يتركها وأن ينفرد برأيه دون مشورة المسلمين من أهل الشورى، كما لا يحل للأمة الإسلامية أن تسكت على ذلك، وأن تتركه ينفرد بالرأي دونها، ويستبد بالأمر دون أن يشركها فيه، فإن أقدم على هذا الأمر فقد ارتكب منكرا، ينبغي عليها أن تنكره عليه، أخذا بحديث رسول الله - ﷺ - الذي رواه الإمام مسلم رحمه الله قال: قال رسول الله - ﷺ -: «من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان» (١).
فالحاكم المستبد آثم بتركه واجب الاستشارة، والأمة آئمة لتركها واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبوسع الأمة إذا كانت متماسكة على قلب رجل واحد عزله وتحرير الأمة منه ومن ظلمه واستبداده، بل الشرع يفرض عليها ذلك، قال ابن عطية(٢) رحمه الله تعالى: «والشورى من قواعد الشريعة وعزائم الأحكام، ومن لا يستشير أهل العلم والدين فعزله واجب، هذا ما لا خلاف فيه»(٣).
وقال الجصاص الحنفي(٤) - رحمه الله - في تفسيره بأحكام القرآن معقبا على قوله تعالى: ﴿وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ﴾ [الشورى: ٣٨] وهذا يدل على أننا مأمورون بها(٥).

(١) مختصر صحيح البخاري للمنذري، ص١٦، رقم الحديث ٣٤.
(٢) هو عبد الحق بن غالب بن عبد الرحمن بن عبد الرءوف بن تمام بن عطية، يكنى أبا محمد، وهو من نسل زيد ابن محارب، وكان فقيها عالما بالتفسير والأحكام والحديث والفقه والنحو واللغة، توفي عام ٥٤٦هـ، انظرالديباج المذهب في معرفة علماء المذهب، ص١٧٤، ١٧٥.
(٣) المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (٣/٣٩٧).
(٤) هو أبو بكر أحمد بن علي الرازي كان مشهورا بالزهد والورع، تبحر في العلوم وتلقى على يديه خلق كثير توفي ٣٧٠هـ، الطبقات السنية في تراجم الحنفية (١/٤٧٧ – ٤٨٠).
(٥) أحكام القرآن للجصاص (٣/٣٨٦).


الصفحة التالية
Icon