لقد نزلت هذه الآية بعد غزوة أحد وما جرى فيها من أحداث وآلام حلت بالمسلمين، وكان القرار في الخروج مبنيا على الشورى، وحتى لا تنشأ فكرة استبعاد الشورى عند بعض الصحابة نزلت هذه الآية، تأمر رسول الله - ﷺ - بأن يعفو عن المؤمنين وأن يستغفر لهم ويشاورهم في الأمر، ولو كان نتيجة الشورى مرة، كما حدث في أحد.
وإذا كان الله تبارك وتعالى قد أمر رسول الله - ﷺ - -وهو أرجح الناس عقلا، وأقواهم رأيا- بالشورى، فالأمر في حق غيره من الحكام والأمراء والسلاطين آكد وأوجب، ومن المعروف عند علماء الأصول أن الأمر يفيد الوجوب ما لا ترد قرينة تصرفه من الوجوب إلى الندب، وصيغة «وشاورهم» صيغة أمر، وهي تدل على وجوب الشورى، ولم ترد قرينة تصرفها من الوجوب إلى الندب، بل جاءت النصوص الأخرى من الكتاب والسنة تؤكد هذا الوجوب وتؤيده(١).
قال الفخر الرازي في تفسيره: «ظاهر الأمر للوجوب، فقوله: (وشاورهم، يقتضي الوجوب) (٢).
وقال أبو حيان الأندلسي(٣): «في هذه الآية دليل على المشاورة وتخمير الرأي وتنقيحه والتفكر فيه، وأن ذلك مطلوب شرعا خلافا لما كان عليه بعض العرب من ترك الشورى، ومن الاستبداد برأيه من غير فكر في عاقبة»
(٤).

(١) انظر: حكم الشورى في الإسلام، ونتيجتها، د. محمد أبو فارس، ص٣١، ٣٢.
(٢) التفسير الكبير: (٩/٦٧).
(٣) هو محمد بن يوسف بن علي بن حيان الغرناطي الأديب النحوي اللغوي مفسر ومحدث، توفي عام ٧٤٥هـ، شذرات الذهب (٦/١٤٥ – ١٤٧).
(٤) البحر المحيط (٢/٤٧).


الصفحة التالية
Icon