وقال أيضا: «لو كان وجود القيادة الراشدة في الأمة يكفي ويسد مسد مزاولة الشورى في أخطر الشئون لكان وجود محمد - ﷺ - ومعه الوحي من الله -سبحانه وتعالى - كافيا لحرمان الجماعة المسلمة يومها من حق الشورى! وبخاصة على ضوء النتائج المريرة التي صاحبتها في ظل الملابسات الخطيرة لنشاة الأمة المسلمة، ولكن وجود محمد رسول الله - ﷺ - ومعه الوحي الإلهي ووقوع تلك الأحداث، ووجود تلك الملابسات، لم يلغ هذا الحق لأن الله -سبحانه - يعلم أنه لابد من مزاولته في أخطر الشئون، ومهما تكن النتائج، ومهما تكن الخسائر، ومهما يكن انقسام الصف، ومهما تكن كلها جزئيات لا تقوم أمام إنشاء الأمة الراشدة، المدربة بالفعل على الحياة، المدركة لتبعات الرأي والعمل، الواعية لنتائج الرأي والعمل، ومن هنا جاء الأمر الإلهي في هذا الوقت بالذات ﴿فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأمْرِ﴾ ليقرر المبدأ في مواجهة أخطر الأخطار التي صاحبت استعماله، وليثبت هذا القرار في حياة الأمة المسلمة أيا كانت هذه الأخطار التي تقع في أثناء التطبيق، وليسقط الحجة الواهية التي تثار لإبطال هذا المبدأ في حياة الأمة المسلمة، كلما نشأ عن استعماله بعض العواقب التي تبدو سيئة، ولو كان هو انقسام الصف، كما وقع في أحد والعدو على الأبواب، لأن وجود الأمة الراشدة مرهون بهذا المبدأ، ووجود الأمة الراشدة أكبر من كل خسارة أخرى في الطريق(١).
٢- وقال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ﴾ [الشورى: ٣٨]، لقد قرنت الآية الكريمة الشورى بين المسلمين بإقامة الصلاة، فدل ذلك على أن حكم الشورى كحكم الصلاة، وحكم الصلاة واجبة شرعا، فكذلك الشورى واجبة شرعا(٢).

(١) المصدر نفسه (٤/٥٠٢).
(٢) انظر: النظام السياسي في الإسلام لأبي فارس، ص٩٠.


الصفحة التالية
Icon