إن قاعدة: ﴿وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ﴾ تتطلب بذاتها خمسة أمور: خامسها التسليم بما يجمع عليه أهل الشورى أو أكثريتهم، أما أن يستمع ولي الأمر إلى آراء جميع أهل الشورى ثم يختار هو بنفسه بحرية تامة، فإن الشورى في هذه الحالة تفقد معناها وقيمتها، فالله لم يقل: «تؤخذ آراؤهم ومشورتهم في أمرهم» وإنما قال: ﴿وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ﴾ يعني أن تسير أمورهم بتشاور فيما بينهم، وتطبيق هذا القول الإلهي لا يتم بأخذ الرأي فقط، وإنما من الضروري لتنفيذه وتطبيقه أن تجري الأمور وفق ما يتقرر بالإجماع
أو بالأكثرية»(١).
وقال الشيخ شلتوت - رحمه الله -: «وضع الإسلام مبدأ الشورى، وعمل به
النبي - ﷺ - في حياته، والخليفتان من بعده، وكان له في صدر الإسلام شأن تجلى به سمو الإسلام في تقرير حق الإنسان، وكان فيه الحرية التامة في إبداء الرأي من أهل الرأي، وقد جاء في بيان المصادر التي يجب على المؤمنين اتباع الأحكام والنظم والأوامر الصادرة عنها، قوله تعالى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأمْرِ مِنْكُمْ﴾ [النساء: ٥٩] وإذا كانت إطاعة الله هي العمل بما تضمنه كتابه الواضح الذي لا يحتمل الرأي، وكانت إطاعة الرسول - ﷺ - هي العمل بما تضمنته أقواله التشريعية العامة الموثوق بنسبتها إليه، كان (أولو الأمر) هم أهل النظر الذين عرفوا في الأمة بكمال الاختصاص في بحث الشئون وإدراك المصالح والغيرة عليها، وكانت طاعتهم هي الأخذ بما يتفقون عليه في المسألة ذات النظر والاجتهاد، أو بما يترجح فيها عن طريق الأغلبية أو قوة البرهان»
(٢).
وقال في كتابه من توجيهات الإسلام تعقيبا على موقف السعدين سعد بن معاذ وسعد بن عبادة - رضي الله عنهما - من رفض إعطاء غطفان ثلث ثمار المدينة، وقد كان رسول الله - ﷺ - يرى ذلك:

(١) الحكومة الإسلامية، ص٩٤.
(٢) الإسلام عقيدة وشريعة، محمود شلتوت، ص ٤٦٢، ٤٦٣.


الصفحة التالية
Icon