«وهذه الحادثة تضع تقليدًا دستوريًا هامًا، وهو أن الحاكم ولو كان رسولا معصوما يجب عليه ألا يستبد بأمر المسلمين، ولا أن يقطع برأي في شأن هام، ولا أن يعقد معاهدة تلزم المسلمين بأي التزام دون مشاورتهم وأخذ آرائهم، فإن فعل كان للأمة حق إلغاء كل ما استبد به من دونهم، وتمزيق كل معاهدة لم يكن لهم فيها رأي»(١).
ويقول الأستاذ عبد الكريم زيدان: «الأخذ برأي رئيس الدولة سديد من الناحية النظرية، ولكن نظرا لضرورات الواقع، وتغير النفوس، ورقة الدين، وضعف الإيمان، وندرة الأكفاء الملهمين، كل هذا يقتضينا أن نأخذ بالرأي الثاني، فنلزم رئيس الدولة برأي الأكثرية بشروط، الأول: إذا لم يقتنع رئيس الدولة برأي الأكثرية فله أن يحيل الخلاف إلى هيئة التحكيم، والثاني: إذا لم يقتنع برأي هيئة التحكيم، فله إجراء استفتاء عام حول موضوع الخلاف، الثالث: أن يعطي حرية اتباع الرأي الذي يراه في الأحوال الاستثنائية كحالة الحرب أو خطر يهدد سلامة البلاد»(٢).
ولا نريد أن نتوسع في نقل الأقوال لكثرة الباحثين والعلماء الذين ذهبوا إلى أن الشورى ملزمة.
إن الله تعالى قد شرع نظام الشورى لحكم بالغة، ومقاصد عظيمة، ولما فيها من المصالح الكبيرة، والفوائد الجليلة التي تعود على الأمة والدولة والمجتمع بالخير والبركة ومن ذلك:
يتعرض الحكام والقادة والرؤساء في كثير من الأحيان والظروف إلى اندفاعات عاطفية، تكون ذات نتائج سلبية وآثار سيئة على حياة الأمة، وفي هذه الحالة تكون الشورى من أنجح الضوابط لكبح جماح العواطف لدى الحكام والقادة والرؤساء، ففي المشاورة عصمة لهم من الإقدام على أمور تضر بالأمة وقد لا يشعرون بضررها.

(١) من توجيهات الإسلام، محمود شلتوت، ص ٤٧.
(٢) الفرد والدولة في الشريعة الإسلامية، ص ٤٧.


الصفحة التالية
Icon