إن الإسلام صان حق الحياة لكل الناس داخل الدولة الإسلامية أو خارجها، للمسلم وغير المسلم، لا يستثنى من ذلك إلا الذي يقف في وجه الدولة الإسلامية، ولا يجوز للدولة أن تعتدي على حياة أي شخص إلا إذا ارتكب جرما يؤاخذ عليه الشرع، ويعاقب عليه القانون الإسلامي، ولا يقف الإسلام عند حد حرمة الاعتداء على الأنفس، بل أوجب على الدولة تقديم الرعاية، وتوفير العيش الكريم لكل فرد لم يستطع الحصول عليه سواء أكان من المسلمين أم من غير المسلمين، إذا وجد المال في بيت المال وهذا أمر متفق عليه بين المسلمين، والشواهد التاريخية منذ العهد النبوي تدل دلالة قاطعة على كفالة الدولة للمحتاجين من أفراد المجتمع في الدولة الإسلامية، دون تمييز بين المسلمين وغير المسلمين، وعلى هذا فإن الدولة الإسلامية من واجبها منع التعدي على أرواح الأفراد، ودفع الظلم عنهم، وتحقيق الكفاية للمجتمع(١).
لقد اهتمت الدولة الإسلامية بكل رعاياها حتى المولود الذي يولد في الإسلام، فهذا مثل رائع يدل على هذا الاهتمام، كان الفاروق - رضي الله عنه - يفرض لكل من بلغ سن الفطام عطاء من بيت مال المسلمين، فكان الآباء ينتظرون بشوق ليوم فطام أبنائهم إذ يذهبون بهم إلى صاحب الديوان، فيسجل أسماءهم وعطاءهم السنوي، ولعل بعض الناس كانوا يعجلون فطام أبنائهم من أجل العطاء فيضرون بالأبناء ويستفيدون بالعطاء وما كان عمر يعلم ذلك.
وبينما الفاروق يحرس في قافلة دخلت المدينة ليلا، وكان معه عبد الرحمن بن عوف سمع صوت بكاء طفل، فتوجه نحوه، فقال لأمه: اتقي الله وأحسني إلى صبيك، ثم عاد إلى مكانه، فلما كان آخر الليل سمع بكاءه فأتى أمه فقال: ويحك إني لأراك أم سوء، ما لي أرى ابنك لا يقر منذ الليلة؟