قالت: يا عبد الله قد أبرمتني منذ الليلة (أي أضجرتني) إني أريغه(١) عن الفطام فيأبى، قال: ولم؟ قالت: لأن عمر لا يفرض إلا للفطيم، قال: وكم له؟ قالت: كذا وكذا شهرًا، قال: ويحك يا تعجليه، فصلى الفجر وما يتبين الناس قراءته من غلبة البكاء، فلما سلم قال: لا بؤسًا لعمر كم قتل من أولاد المسلمين، ثم أمر مناديا فنادى: أن لا تعجلوا صبيانكم عن الفطام فإنا نفرض لكل مولود في الإسلام وكتب بذلك إلى الآفاق(٢).
ونستخلص من الحادثة عدة أمور:
إحاطة الفاروق المباشرة بشئون الرعية وتتبعه أخبارهم بنفسه حيث علم بقدوم القافلة ومنزلهم.
القدوة الحسنة منه حيث أخذ معه سيدا آخر من عظماء الصحابة هو عبد الرحمن بن عوف لحراسة القافلة ولم يكلف أحدا من المسلمين.
بحثه وتحقيقه عن بكاء الصغير، ما سببه؟ وتكراره النصيحة لأمه حتى خرج بالسبب الذي كان سببا في إسعاد كثير من المسلمين آباء وأبناء.
مسارعته إلى حل المشكلات بأفضل الطرق وأقومها.
تعميمه ذلك القرار الحكيم على الولايات في الدولة، فأصبح كل مولود في الإسلام يتعين له عطاؤه السنوي. إن هذا العمل لا يوجد له نظير في التاريخ البشري كله قديمًا وحديثًا(٣).
(٢) مجمع الزوائد (٦/٦، ٧) وصحح الحديث.
(٣) انظر: أولويات الفاروق، د. غالب القرشي، ص٣٦٣، ٣٦٤.