وعامل أهل الكتاب معاملة رفيعة «فعندما مر بباب قوم وعليه سائل يسأل - شيخ ضرير البصر - فضرب عضده من خلفه وقال: من أي أهل الكتاب أنت؟ فقال: يهودي، قال: فما ألجأك إلى ما أرى؟ قال: أسأل الجزية، والحاجة، والسن، قال: فأخذ عمر بيده وذهب به إلى منزله فرضخ له بشيء من المنزل(١)، ثم أرسل إلى خازن بيت المال، فقال: انظر هذا وضرباءه، فوالله ما أنصفناه إن أكلنا شيبته ثم نخذله عند الهرم، ووضع عنه الجزية وعن ضربائه»(٢)، وقد كتب إلى عماله معمما عليهم هذا الأمر(٣). إن حق الحياة الكريمة في الدولة الإسلامية محفوظ لكل رعاياها.
٢- حرية العمل:
إن الدستور الإسلامي يبيح لرعاياه الحرية الاقتصادية المتمثلة في حرية العمل والتملك، وقد دعا الإسلام الناس إلى العمل وحثهم عليه قال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ﴾ [الملك: ١٥].
إن من حق الفرد في الدولة الإسلامية أن يمارس جميع الشئون الاقتصادية بشرط ألا يخرج إلى دائرة المحرمات التي منعتها الشريعة الغراء مثل الربا، والغش، والاحتكار، والقمار فإذا وقع الفرد في المحرمات تتدخل الدولة لمنعه من أجل المحافظة على مصلحة الأمة التي قدرتها الشريعة وأحكمتها بتوجيهاتها.
لقد أباحت الشريعة حرية التجارة والكسب وحرص الخلفاء على حماية هذا النوع من الحرية، فهذا عمر بن عبد العزيز قد أكد في كتاب له إلى عماله، على ضرورة منح الناس حرية استثمار أموالهم، والاتجار بها في البر أو البحر على حد سواء فقال: «... وأن يبتغي الناس بأموالهم في البر والبحر لا يُمنعون ولا يُحبسون...»(٤).
(٢) أحكام أهل الذمة لابن القيم (١/٣٨).
(٣) نصب الراية للزيلعي (٣/٤٥٣).
(٤) سيرة عمر بن عبد العزيز، ابن عبد الحكم، ص٧٨.