إن الدستور الإسلامي منح للمسلمين الحرية السياسية، إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، حتى وإن كان حاكما أو واليا، وقد بينا في بحثنا هذا موقف الخلفاء الراشدين، وهذا عمر بن عبد العزيز عندما تولى الخلافة أعاد الأمور إلى نصابها وأعلن استئناف الحرية السياسية وشجع على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، منكرا على الناس واقعهم المظلم، وأن الإسلام لا يرضى السكوت على الظلم، فقد خطب الناس يوما فقال: «... ألا لا سلامة لامرئ في خلاف السنة، ولا طاعة لمخلوق في معصية الله، ألا وإنكم تسمون الهارب من ظلم إمامه العاصي، ألا وإن أولاهما بالمعصية
الإمام الظالم»(١).
ولقد قام هذا الخليفة العادل بالتنازل عن الخلافة عقب إعلان العهد له بالخلافة، وطلب من الأئمة أن تختار لهم خليفة، فاختاره أهل الحل والعقد وبايعته الأمة، ولقد أعطاهم مجالاً واسعًا للرأي والتعبير وأتاح لكل متظلم أن يشكو من ظلمه، وأطلق للكلمة حريتها، وترك للناس حرية التعبير، قال القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق(٢) - رضي الله عنه - عندما تولى عمر بن عبد العزيز الخلافة: «اليوم ينطق كل من كان لا ينطق»(٣)، وهذا وصف موجز رائع يدل على الحرية في دولة عمر بن عبد العزيز.
إن حرية النقد، والتعبير تبني مجتمعا سليما صالحا للتطور والتقدم والازدهار، وتقضي على أمراض النفاق والتزلف وهي من أخطر الأمراض التي تضعف المجتمع، وتجعله ينحدر في الضعف والهوان والضياع.
(٢) هو حفيد أبي بكر الصديق، تابعي من الفقهاء السبعة، توفي عام ١١٢هـ، ابن سعد (٥/٣٤٤).
(٣) الطبقات لابن سعد (٥/٣٤٤)