بل إن الدولة تقوم بإنشاء هيئة خاصة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لها مؤسساتها ونظمها وقوانينها ولوائحها، تقوم هذه الهيئة بإلزام الناس بمنهج الإسلام في الحياة وتقف الحكومة من وراء هذه الهيئة وتدعمها، ويدخل تحت الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إقامة الحدود، وجلب المصالح، وإحياء الأخلاق الكريمة، فإقامة حدود الله وفق تطبيق أمثل وأحكام عادلة، أمن للأمة واستقرار للمجتمع وثبات للدين، وقوة للدولة، ورضا لرب العباد، يقول ابن القيم رحمه الله: «الحدود جعلها الله تعالى زواجر للنفوس وعقوبة ونكالاً وتطهيرًا فشرعها من أعظم مصالح العباد في المعاش والمعاد، بل لا تتم سياسة ملك من ملوك الأرض إلا بزواجر وعقوبات»(١).
وإن من يستقرئ أحوال المجتمعات القديمة والمعاصرة يرى ما تصنعه من وسائل وأجهزة، وما تستحدثه من فلسفات ومناهج وأساليب تقف من ورائها مؤسسات علمية وتربوية وفنية إلى جانب السياسات التشريعية والتنفيذية، كل هذا من أجل تثبيت أركان المبادئ التي تقوم عليها هذه المجتمعات ومنع ما قد يتهددها من أخطار. ومجتمع الإسلام يقوم بمبادئ الدين الحق، وهذا الدين به تحفظ ضروريات الناس من عقيدة ومال وعرض وعقل، فكان لابد من المحافظة عليه، محافظة على هذه الضروريات.
وهذه المحافظة على الضروريات، من أجلها شرعت الحدود، قال الغزالي رحمه الله: «ومقصود الشرع من الخلق خمسة، وهو: أن يحفظ عليهم دينهم ونفسهم وعقلهم ونسلهم ومالهم، فكل ما يتضمن حفظ هذه الأصول الخمسة هو مصلحة، وكل ما يفوت هذه الأصول الخمسة فهو مفسدة ودفعها مصلحة»(٢).

(١) أعلام الموقعين عن رب العالمين (٣/١٨٤).
(٢) انظر: الحكم والتحاكم في خطاب الوحي (١/٤٥٧).


الصفحة التالية
Icon