وعندما تحمي الدولة الإسلامية كل واحد من رعاياها على هذا النحو فلا شك أنها قد حققت قدرًا كبيرًا من معنى إقامة الدين في الأرض. فهي ستمنع بذلك، أو تعمل على منع الكفر والقتل والزنا والسرقة والسكر وما شابه ذلك من آفات المجتمع التي لا تقوم على الدين.
والحدود الشرعية جديرة بتحقيق ذلك كله، فقضاء الشرع بقتل الكافر المضل، وعقوبة المبتدع الداعي إلى بدعة من يفتنون الخلق عن دينهم، وقضاؤه بإيجاب القصاص، الذي به حفظ النفوس، وإيجاب حد شرب الخمر، الذي به حفظ العقول، التي هي ملاك التكليف، وإيجاب حد الشرب، الذي به حفظ النسل والأنساب وإيجاب زجر الغُصَّاب والسُّرَّاق، بما يحفظ الأموال التي هي معاش الخلق، كل هذا مما يعتبر من الضروريات التي لا يصلح أمر الناس إلا بها.
وللإسلام نظامه الخاص في إقامة المجتمع على الدين عن طريق إقامة الحدود فهو يبذل كل المساعي، ويسلك كل الطرق لمنع وقوع الجرائم والمخالفات، فإذا وقعت كان علاجه لها هو الناجح في محو آثارها، والناجع في إنجاء المجتمع من شره(١)، إن مرحلة التمكين من أهدافها أن يسود شرع الله في كل شئون الحياة.
إن تلك الفرائض المنوطة بدولة الإسلام الحاكمة بما أنزل الله، تطبيقا لحدود الله وإقامة لشريعته.. إنما هي متفرعة عن قيامها أولا بإيجاد واقع عملي في حياة الناس، تقوم بعد ذلك بمقتضاه بتطبيق الحدود وتنفيذ الشرائع، فلابد إذن من واقع عملي إصلاحي يتكفل بتوفير المطعم للجوعان، والملبس للعريان، والزوجة للأعزب، والعون للمحتاج، ثم تحاسب بعد ذلك بمقتضى الشرع من استبد به النزق فخرج عن حدود الله، وخالف مبادئ الدين.