والآية الكريمة - السابقة - جمعت كل ضروب الجهاد وأبوابه، من قتال العدو ومن الإعداد لذلك ومن بذل المال والنفس، ومجاهدة الشهوات، ومجاهدة الشيطان، وتشمل الجهاد باللسان والأدب والفكر والسياسة والاقتصاد.. جهادا كاملا يستوعب طاقة الأمة كلها، ويستوعب مواهبها وقدراتها، فذلك أصل معنى الجهاد: «استفراغ الوسع والطاقة، وهو معنى مستمر ممتد لا يتوقف»(١).
والجهاد بهذا المعنى الشامل فرض عين أما القتال - وهو نوع من أنواع الجهاد - فهو كفاية، ولا يتعين إلا في الحالات الآتية:
إذا التقى الصفان.
إذا نزل الكفار ببلدة فيتعين على أهلها قتالهم.
إذا استنفر الإمام قوما لزمهم النفرة معه.
قال ابن قدامة في المغني: «وأقل ما يفعله الإمام مرة كل عام»(٢).
إن الجهاد ضروري لقيام الدعوة واستمرارها، وهو وسيلة من وسائلها، يقول الأستاذ/ عدنان النحوي: «ونحن - معشر أمة الإسلام - لا نريد القتال أساسا لأجل القتال، ولا لأجل الحرب، وكذلك فلسنا أعداء لأحد من الناس من حيث الابتداء، ولكن لنا من بين الناس أعداء الذين هم أعداء الله، والذين يوقدون نار الحرب، ويسعون للفساد في الأرض، ويفتنون الناس عن الإيمان، ويصدون عن سبيل الله، والمؤمن يمضي بدعوته جاهدا كي يفوِّت فرصة الفساد والإفساد، ويطفئ نار الفتنة والهلاك حتى تمضي الدعوة الإسلامية تشق طريقها، فإن أبوا إلا المضي في إشعال الفتنة والسعي في الفساد، فإنه لا مفر من القتال، وكما يقولون: آخر الدواء الكي»(٣).
(٢) المغني (١٠/٢٦٥).
(٣) لقاء المؤمنين (٢/١٩٩).