وقد ساق الطبري عددًا من الروايات في هذا المعنى: ثم ذكر تفسير هذه الآية منسوبا إلى بعض الصحابة والتابعين، كأبي سعيد، ومجاهد(١) وغيرهما، حيث فسروها بـ(عدولا)(٢).
٢- قال الإمام الطبري:
وأما الوسط فإنه من كلام العرب: الخيار، يقال منه: فلان وسط الحسب في قومه، أي متوسط الحسب، إذا أرادوا بذلك الرفعة في حسبه.
وهو وسط في قومه وواسط، قال زهير بن أبي سلمي(٣) في الوسط:

إذا نزلت إحدى الليالي بمعظم هم وسط يرضى الأنام بحكمهم
قال: وأنا أرى أن الوسط في هذا الموضوع هو الوسط الذي بمعنى الجزء، الذي هو بين الطرفين، مثل وسط الدار، وأرى أن الله – تعالى ذكره- إنما وصفهم بأنهم وسط لتوسطهم في الدين، فلا هم أهل غلو فيه، كغلو النصارى الذين غلوا بالترهب، وقولهم في عيسى ما قالوا فيه، ولا هم أهل تقصير فيه، كتقصير اليهود الذين بدلوا كتاب الله، وقتلوا أنبيائهم، وكذبوا على ربهم وكفروا به، ولكنهم أهل توسط واعتدال فيه، فوصفهم الله بذلك، إذ كان أحب الأمور إلى الله أوسطها.
وأما التأويل فإنه جاء أن الوسط العدل –كما سبق- وذلك معنى الخيار؛ لأن الخيار من الناس عدولهم(٤).
(١) هو الإمام الحافظ مجاهد بن جبر المكي أبو الحجاج، لازم ابن عباس كثيرا، وأخذ عنه التفسير، وأجمعت الأمة على إمامته والاحتجاج به، ومن أقواله: (الفقيه من يخاف الله، وإن قل علمه، والجاهل من عصى الله وإن كثر علمه) توفى سنة اثنين أو ثلاثة ومائة من الهجرة رحمه الله، انظر ترجمته في تذكرة الحفاظ: (١/٩٢-٩٣).
(٢) انظر: تفسير الطبري: ٢/٧).
(٣) هو زهير بن ربيعة بن رياح بن قرة بن الحارث بن مازن المقري من شعر الجاهلية، وهو أحد الثلاثة المقدمين على سائر الشعراء باتفاق، وهم امرؤ القيس، وزهير، والنابغة الذبياني، وهو من أصحاب المعلقات السبعة: انظر: ترجمته في شرح المعلقات السبع للقاضي أحمد الزوزني (١٤٧).
(٤) انظر: تفسير الطبري: (٢/٦).


الصفحة التالية
Icon