قلنا: لندع جيل الصحابة رضوان الله عليهم، فإنهم جيل فريد الأصل فيهم الخير والعدالة، ولنتجاوزهم إلى غيرهم ممن جاء بعدهم: فهذا شريح القاضي(١) -رحمه الله-: يتحاكم إليه أمير المؤمنين وخليفة المسلمين ورجل ذمي فيحكم شريح يرحمه الله للذمي على أمير المؤمنين، فقد أخرج البيهقي(٢) بسنده عن الشعبي(٣) قال: خرج علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- إلى السوق فإذا هو بنصراني يبيع درعا قال: فعرف علي -رضي الله عنه- الدرع، فقال: هذه درعي، بيني وبينك قاضي المسلمين، قال: وكان قاضي المسلمين شريح، كان علي -رضي الله عنه- استقضاه، قال: فلما رأي شريح أمير المؤمنين قام من مجلس القضاء وأجلس عليا -رضي الله عنه- في مجلسه، وجلس شريح قدامه إلى جانب النصراني، فقال له علي -رضي الله عنه- يا شريح لو كان خصمي مسلما لقعدت معه مقعد الخصم، ولكني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (لا تصافحوهم ولا تبدؤهم بالسلام، ولا تعودوا مرضاهم، ولا تصلوا عليهم، ولجوهم إلى مضايق الطريق، وصغروهم كما صغرهم الله"(٤). اقض بيني وبينه يا شريح فقال شريح: ما تقول يا أمير المؤمنين؟ قال: ف قال علي -رضي الله عنه- هذه درعي ذهبت مني منذ زمان قال: فقال شريح:
(٢) هو الإمام العلم أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي البيهقي الشافعي، الحافظ، صاحب التصانيف الكثيرة السائرة، لزم الحاكم مدة، وأخذ عنه، وعن غيره، توفى عام (٤٥٨هـ) انظر: سير أعلام النبلاء (١٨/١٦٣).
(٣) هو التابعي عامر بن شرحبيل الشعبي الحميري أبو عمرو، ولد سنة (١٩هـ) بالكوفة عد من أذكياءالعالم، توفى سنة ١٠٣هـ، انظر تهذيب التهذيب (٥/٦٥).
(٤) السنن الكبرى، كتاب آداب القاضي (١٠/١٣٦).