ما تقول يا نصراني؟(١).
قال: فقال: ما أكذب يا أمير المؤمنين الدرع هو درعي، فقال شريح: ما أرى أن تخرج من يده فهل من بينة؟ فقال علي -رضي الله عنه- صدق شريح. قال: فقال النصراني: أما أنا أشهد أن هذه أحكام الأنبياء أمير المؤمنين يجيء إلى قاضيه، وقاضيه يقضي عليه، هي والله يا أمير المؤمنين درعك، اتبعتك من الجيش وقد زالت عن جملك الأورق، فأخذتها، فإني أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، قال: فقال علي -رضي الله عنه- أما إذا أسلمت فهي لك، وحمله على فرس عتيق، قال فقال الشعبي: لقد رأيته يقاتل المشركين)(٢).
ويبين لنا هذا النص كيف كان قضاة المسلمين يصدرون أحكامهم العادلة فيما يعرض عليهم من قضايا في حرية تامة ولا تأخذهم في إقامة العدل لومة لائم، القوى والضعيف، الحكم والمحكوم، المسلم والذمي، الراعي والمرعي، الأمير والحقير كل أمام القضاء سواء. لذا حكم القاضي شريح على أمير المؤمنين -رضي الله عنه- للنصراني بما رأه حقا، وأمير المؤمنين -رضي الله عنه- يرضى بالحكم ويصدق شريحا على صحة ما قضى به، لأنه حكم بمقتضى قواعد الشرع، فكان ذلك كله سببا في إسلام نصراني واهتدائه لما رأي من قيام هذه الأمة في رعاياها وأهل ذمتها بالعدل والقسط الذي هو من أحكام الأنبياء(٣).
المبحث الثالث
اعتراف أعداء هذه الأمة بعدالتها

(١) وفي رواية أن خصم علي -رضي الله عنه- يهودي: انظر: الحلية لأبي نعيم (٤/١٣٩).
(٢) السنن الكبرى، كتاب آداب القاضي، باب إنصاف الخصمين (١٠/١٣٦).
(٣) انظر: وسطية أهل السنن بين الفرق (١٧٤).


الصفحة التالية
Icon