يقول ديورانت مبينا أوضاع حال أهل الذمة الذين يعيشون في ظل الدولة الإسلامية: ولقد كان أهل الذمة المسيحيون، والزرادشتيون(١) واليهود، والصابئون(٢) يتمتعون في عهد الخلافة الأموية بدرجة من التسامح لا نجد لها نظيرًا في البلاد المسيحية في هذه الأيام، فلقد كانوا أحرارًا في ممارسة شعائر دينهم، واحتفظوا بكنائسهم ومعابدهم، ولم يفرض عليهم أكثر من ارتداء زي ذي لون خاص، وضريبة عن كل شخص، تختلف باختلاف دخله... ولم تكن هذه الضريبة(٣) تفرض إلا على غير المسلمين القادرين على حمل السلاح، ويعفى منها الرهبان، والنساء، والذكور الذين هم دون البلوغ والأرقام والشيوخ، والعجزة، والعمى، والفقر الشديد. وكان الذميون يعفون في نظير هذه الضريبة من الخدمة العسكرية... ولا تفرض عليهم الزكاة... وكان لهم على الحكومة أن تحميهم)(٤).
وهذا الشاهد التاريخي من مستشرق يهودي صهيوني يثبت أن المسلمين في الأندلس عاملوا أهل ذمتهم وفق القواعد التي وضعها وحددها الإسلام، وهي قواعد توفر لأهل الذمة الحماية وعدم الظلم وتسبغ الرحمة والعطف على الفقراء وذوي الأعذار، وتوفر لهم حرية ممارسة دينهم، وحرية الاكتساب، وهذا غاية العدل؛ بل هو إلى الفضل أقرب.
(٢) الصابئة: نوعان حنفاء موحدون، وصابئة مشركون يعبدون الكواكب، انظر: ابن تيمية، الرد على المنطقيين (٢٨٨).
(٣) ليست ضريبة، إنما هي الجزية تؤخذ مقابل توفير المسلمين لهم الحماية والأمان حتى من أعدائهم الخارجين.
(٤) قصة الحضارة (١٣/١٣٠-١٣١).