ولعل من أبرز مظاهر ذلك ما تمارسه الكنيسة من إصدار ما عرف بـ(صكوك الغفران)(١)، وهي صكوك يصدرها أهل السلطة في الكنيسة من البانوات والمطارنة والبطارقة، والقساوسة، باسم الكنيسة، يغفر بمقتضاها لحاملها ما اقترفه من الآثام والخطايا في حياته، مقابل أن يدفع مبالغ للكنيسة وهذا إلى جانب كونه أكلا لأموال الناس بالباطل فهو أيضًا قول على الله بلا علم وافتراء عليه، و تعد على ألوهيته -عز وجل- إذ لا يملك غفران الذنوب والعفو عنها إلا هو سبحانه ولكن القوم ضلوا ضلالا بعيدًا.
ومن صور جور هذه الأمة وعدم عدلها، أن كل فرقة وطائفة منها إذا تسلطت على الفرق الأخرى أذاقتها ألوانا من الظلم والبطش والاضطهاد، ولم ترقب فيهم إلا ولا ذمة، يقول د. أحمد شلبي: (تكرر في تاريخ المسيحية حدث عظيم لم يختلف، وهو التجاء الجانب القوى إلى أعنف وأقسى وسائل الاضطهادات والتعذيب، والتنكيل والحرق، والإفناء يسلطها على الجانب الضعيف.. والعجيب أن المسيحيين اضطهدوا من اليهود والرومان، ونزلت بهم الويلات في القرون الثلاثة الأولى، فلما بدأ جانبهم يشتد رأيناهم ينزلون نفس الويلات بمخالفيهم من أبناء دينهم، ومن أتباع الأديان الأخرى، ومن هنا فنيت مذاهب مسيحية كثيرة كان بعضها في وقت ما له الغلبة في العدد، ولكن تنقصه القوة والسلطان، وكان فناء هذه المذاهب بسبب قوة اليهود والرومان أحيانا، وأحيانا بسبب قسوة فرق مسيحية أخرى قويت واشتدت بالأباطرة وذوي النفوذ)(٢).

(١) للاطلاع على صورة وفحو هذه الصكوك، راجع كتاب محاضرات في النصرانية لأبي زهرة (١٧٢)، والمسيحية للدكتور أحمد شلبي (٢٥٤).
(٢) المسيحية (٢٣٧).


الصفحة التالية
Icon