وهذا مصداق قوله تعالى وتعالى: (وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ) [المائدة: ١٤].
قال الحافظ ابن كثير -رحمه الله-: (... أي فألقينا بينهم العداوة والتباغض لبعضهم بعضا، ولا يزالون كذلك إلى قيام الساعة، وكذلك طوائف النصارى على اختلاف أجناسهم لا يزالون متباغضين متعادين، يكفر بعضهم بعضا، ويلعن بعضهم بعضا، فكل فرقة تحرم الأخرى ولا تدعها تلج معبدها، فالملكية(١) تكفر اليعقوبية(٢) وكذلك الآخرون، وكذلك النسطورية(٣) والآريوسية(٤) كل طائفة تكفر الأخرى...)(٥).
وكمثال على ما ذكر من ظلم أمة النصارى وجور بعضهم على بعض، ما لاقاه أقباط مصر – وهم من الطائفة اليعقوبية- من ظلم واضطهاد على يد أبناء دينهم البيزنطيين الذين كانوا يحكمونهم قبل الفتح الإسلامي لمصر.

(١) الملكية: أو الملكانية: أصحاب ملكان الذي ظهر في أرض الروم، ومعظم الروم ملكانية، صرحوا بإثبات التثليث، وقالوا: إن الكلمة اتحدت بجسد المسيح، وتدرعت بناسوته، انظر: الشهرستاني، الملل والنحل، (٢/٢٧).
(٢) اليعقوبية: نسبة إلى يعقوب البرذعي، مصري ظهر في منتصف القرن السادس الميلادي يقول: إن المسيح ذو طبيعة واحدة امتزج فيه عنصر الإله بعنصر الإنسان، وتكون من الاتحاد طبيعة واحدة جامعة بين اللاهوت والناسوت، انظر محاضرات في النصرانية (١٤٠-١٥٩).
(٣) النسطورية: نسبة إلى نسطور الحكيم الذي ظهر في زمان المأمون، يرى العذراء لم تلد إلها، انظر: الشهرستاني، الملل (٢/٢٩).
(٤) الآسيوية: أصحاب آريوس، وكان قسيسا بالإسكندرية، ومن قوله: التوحيد المجرد وأن عيسي مخلوق وأنه كلمة الله انظر: ابن حزم الفصل: (١/٢٨).
(٥) هم اتباع الكنيسة الشرقية: انظر: المسيحية (٢٣٨).


الصفحة التالية
Icon