ويقول المستشرق ستيفن ونسيمان في وصف ذلك: (على أنه لم ينج من المسلمين بحياتهم إلا هذه الفئة القليلة – وهم افتخار الدولة والي العبيدين على القدس وحرسه الخاص – إذ أن الصليبيين وقد زاد في جنونهم ما أحرزوه من نصر كبير بع شقاء وعناء شديد، انطلقوا في شوارع المدينة، وإلى الدور والمساجد يقتلون كل من يصادفهم من الرجال والنساء والأطفال، دون تمييز، استمرت المذبحة طوال مساء ذلك اليوم وطوال الليل ولم يكن علم تانكرد(١) عاصما للاجئين إلى المسجد الأقصى من القتل، ففي الصباح الباكر من اليوم الثاني دخلت باب المسجد ثلة من الصليبيين فأجهزت على جميع اللاجئين وحينما توجه ريموند آجيل في الضحى لزيرة ساحة المعبد أخذ يتلمس طريقه بين الجثث والدماء التي بلغت ركبتيه. وفر يهود بيت المقدس جميعا إلى معبدهم الكبير، غير أنه تقرر إلقاء القبض عليهم بحجة أنهم ساعدوا المسلمين فلم تأخذهم الرحمة والرأفة، فأشعلوا النار في المعبد، ولقي اليهود بداخله مصرعهم محترقين. يقول: (وتركت مذبحة بيت المقدس أثرًا عميقا في جميع العالم، ليس معروفا بالضبط عدد ضحاياها(٢) غير أنها أدت إلى خلو المدينة من سكانها المسلمين واليهود)(٣).
فانظر الفرق الشاسع بين دخول الصليبيين هذه المدينة المقدسة لدى المسلمين والمسيحيين واليهود، وبين دخول القائد المسلم صلاح الدين، وفي الأندلس عندما استولى النصارى الحاقدين ألحقوا بالمسلمين ضروبا من الأذى والظلم والجور والعدوان، يصور ذلك الدكتور توفيق الطويل في إيجاز فيقول:

(١) أحد قواد الصليبيين، لما رآه المسلمون استسلموا ورفعوا علمه على المسجد.
(٢) ذكر ابن الأثير انهم يزيدون على سبعين ألفا (٨/١٨٩).
(٣) انظر: تاريخ الحروب الصليبية (١/٤٠٤-٤٠٥).


الصفحة التالية
Icon