فقد أصبحت معلومة لكل إنسان على وجه المعمورة من اغتصاب وقتل وذبح وتشريد. إن النصارى ما كانوا في عدائهم عدولا، ولا رحماء بمخالفيهم، كما هو شأن الإسلام، فقد كانت أعمالهم بخصومهم تفوق كل وصف، ولولا ما نقله شهود العيان مما أنزلوه بغيرهم من الظلم والعدوان لما استطاع المرء أن يصدق هذه الأعمال الموغلة في الوحشية والشناعة، من قوم لا دين لهم، فضلا عن قوم يدعون انهم أتباع المسيح -عليه السلام-، وبهذه اتضح ملمح من ملامح الوسطية وكيف مارسته أمة الإسلام مقارنا مع غيرها من أهل الكتابين واتضح لنا أنهم حادوا عن العدل إلى الظلم.
الفصل الثالث
اليسر ورفع الحرج
تمهيد:
إن من أول ما يتبادر إلى أذهاننا عندما نطلق كلمة (الوسطية) هو معنى اليسر والتيسير، ورفع الحرج، وهذا الفهم صحيح فإن من أبرز سمات الوسطية: التيسير ورفع الحرج.
وقد تقرر فيما مضى أن هذا الدين هو دين (الوسط) فلا غلو ولا جفاء، ولا إفراط ولا تفريط. واليسر ورفع الحرج مرتبة عالية بين الإفراط والتفريط، وبين التشدد والتنطع وبين الإهمال والتضييع.
يقول الدكتور صالح بن حميد: (إن رفع الحرج والسماحة والسهولة راجع إلى الاعتدال والوسط، فلا إفراط ولا تفريط، فالتنطع والتشدد حرج من جانب عسر التكليف، والإفراط والتقصير حرج فيما يؤدي إليه من تعطيل المصالح وعدم تحقيق مصالح الشرع)(١).
وقال تعالى: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا) [البقرة: ١٤٣]، فالتوسط هو منبع الكمالات، والتخفيف والسماحة ورفع الحرج على الحقيقة هو في سلوك طريق الوسط والعدل)(٢).

(١) رفع الحرج في الشريعة الإسلامية (١٣).
(٢) المرجع السابق (١٣).


الصفحة التالية
Icon