هذه هي الآيات التي وردت مبينة أن التكليف بحسب الوسع والطاقة، لا شك أن الأحكام الشرعية إذا كانت مطلوبة في حدود الوسع والاستطاعة دون بلوغ الطاقة، ففي ذلك الدلالة الظاهرة على أن الحرج مرفوع، وأن اليسر سمة هذا الدين، والتوسعة على العباد خاصة من خصائصها، فهي الحنيفية السمحة والوسطية التي لا عنت فيها ولا مشقة(١).
ثانيا: الأدلة من السنة النبوية:
نعت الله نبيه محمد -صلى الله عليه وسلم- بأنه رحيم بأمته يعز عليه كل ما فيه مشقة عليهم قال تعالى: (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنَفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتِّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ) [التوبة: ١٢٨]، وظهرت شفقته ورحمته بأمته في السنة النبوية في أقواله عليه الصلاة والسلام وأفعاله وجميع سيرته، بل كان عليه الصلاة والسلام يخشى أن يكون قد أمر أمته أو سلك فيهم طريقا فيه مشقة أو إعنات، كما كان عليه أفضل الصلاة والسلام ينهي أصحابه عن سلوك طريق التعمق والتشدد، وسأبين أحاديث وردت في يسر هذا الدين وسماحته ورفع الحرج عنه، وأحاديث توضح لنا خشية النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يكون قد شق على أمته، وأحاديث في أمر الصحابة بالتخفيف عن التعمق والتشديد وإنكار ذلك عليهم.
وما سأذكره من أحاديث يبين أن الدين كله يسر لا عسر فيه ولا حرج، وفيه ما يتعرض لقضايا جزئية كبعض أحكام الصلاة و نوافل العبادات، ولا شك أن كل ذلك يدل بمجموعة دلالة قاطعة على رفع الحرج عن هذا الدين وبعده عن العسر والمشقة.
أ- أحاديث في بيان يسر هذا الدين وسماحته ورفع الحرج عنه:
أخرج البخاري في صحيحه تعليقا: "قيل يا رسول الله: أي الأديان أحب إلى الله؟ قال: "الحنيفية السمحة"(٢).

(١) انظر: رفع الحرج (٧٣).
(٢) البخاري، فتح الباري، كتاب الإيمان، باب الدين يسر (١/١١٦).


الصفحة التالية
Icon