فهو -صلى الله عليه وسلم- الجامع للقوتين العلمية وعمله ومنهجه هو المنهج المستقيم، وفي هذا الحديث بيان أن الطريق الصحيح والمنهج السليم هو الوقوف عند ما حدده الشرع من عزيمة أو رخصة، واعتقاد أن الأخذ بالأرفق الموافق للشرع أولى من الأشق المخالف له، كما أعلمهم -صلى الله عليه وسلم- أنه وإن كان الله قد غفر له، لكنه مع ذلك أخشى الناس لله وأتقاهم فما فعله -صلى الله عليه وسلم- من عزيمة أو رخصة فهو في غاية التقوى والخشية، ومن هنا ندرك غضبه -صلى الله عليه وسلم- على هؤلاء الذين حاولوا سلوك منهج التعمق والتشدد ظنا منهم أن ذلك طريق النجاة، وإذا فلا غرابة أن رأيناه -صلى الله عليه وسلم- يتعقب الذين يلتزمون التشديد والأخذ بالأشق(١).
٤- ودخل -صلى الله عليه وسلم- مرة المسجد فإذا حبل ممدود بين ساريتين فقال: ما هذا الحبل؟ فقالوا: حبل لزينب، فإذا فترت تعلقت به، فقال -صلى الله عليه وسلم-: "حلوه ليصل أحكم نشاطه فإذا فتر فليرقد"(٢).
٥- وفي السنن عن عقبة بن عامر(٣) أن أخته نذرت أن تمشي إلى البيت فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله لا يصنع بشقاء أختك شيئا فلتركب" وفي رواية: "إن الله لغني عن مشيها مروها فلتركب"(٤).
(٢) أخرجه البخاري: كتاب الصلاة، باب ما يكره من التشدد في العبادة (٢/٦٠) رقم (١١٥٠).
(٣) هو عقبة بن عامر بن عيسي الجهني، روى عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- كثيرا وروى عنه جماعة من الصحابة والتابعين، كان من أهل الصفة، وكان قارئا عالما بالفرائض والفقه، فصيح اللسان، شاعرا وهو أحد من جمع القرآن، وشهد فتوح الشام، مات في خلافة معاوية -رضي الله عنه-. انظر: حلية الأولياء (١/٨) أسد الغابة (٣/٥٥).
(٤) جامع الأصول (١١/٥٤٤-٥٤٦).