هذه هي سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وطريقته: سلوك الطريق الوسط وأتباع اليسير، وسلوك غير ذلك رغبة في سنة رسول الله – فيه الخطر الشديد والوعيد العظيم المؤدي إلى منهج التنطع والإفراط، بل لقد ثبت نهيه -صلى الله عليه وسلم- لبعض أصحابه عن التشديد والتكلف ممن التزموا هذا الجانب ما يؤدي بهم إلى الانقطاع وعدم التمكن من المواصلة وإهمال حقوق وواجبات للنفس والأهل وكل من له به تعلق.
٦- فهذا عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما-(١) يقول: "قال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يا عبد الله ألم أخبر أنك تصوم تصوم النهار وتقوم الليل؟" فقلت: بلي يا رسول الله، قال: "فلا تفعل، صم وأفطر وثم ونم فإن لجسدك عليك حقا، وإن لعينك عليك حقا وإن لزوجك عليك حقًا، وإن لزورك عليك حقا، وإن بحسبك أن تصوم كل شهر ثلاثة أيام فإن لك بكل حسنة عشر أمثالها فإن ذلك صيام الدهر كله"، فشددت فشدد علي، قلت: يا رسول الله إني أجد قوة، قال: "فصم صيام نبي الله داود -عليه السلام- ولا تزد عليه"، قلت: وما كان صيام نبي الله داود -عليه السلام-؟ قال: "نصف الدهر"، فكان عبد الله يقول بعد ما كبر: يا ليتني قبلت رخصة النبي -صلى الله عليه وسلم-(٢).

(١) هو عبد الله بن عمرو بن العاص السهمي القرشي أحد العبادلة الفقهاء، وقد أسلم قبل أبيه، ثم هاجر قبل الفتح، كان عابدًا زاهدا من رواة الحديث، توفى عام (٤٣هـ) انظر الإصابة، رقم (٤٨٣٨). وانظر حلية الأولياء (١/٢٨٣).
(٢) رواه البخاري فتح الباري – كتاب الصيام – باب حق الجسم في الصوم (٤/٢٦٠) رقم الحديث (١٩٧٥).


الصفحة التالية
Icon