(وهذه الأقوال كلها قريب بعضها من بعض؛ لأن الحكمة مصدر من الأحكام، وهو الإتقان في قول أو فعل، فكل ما ذكر فهو نوع من الحكمة التي هي الجنس، فكتاب الله حكمة، وسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم- حكمة، وكل ما ذكر من التفضيل فهو حكمة، وأصل الحكمة ما يمتنع به من السفه، فقيل للعلم حكمة؛ لأنه يمتنع به من السفه، وبه بعلم الامتناع من السفه الذي هو كل فعل قبيح...)(١).
وعند التأمل والنظر نجد أن التعريف الشامل الذي يجمع ويضم جميع هذه الأقوال في تعريف الحكمة هو: (الإصابة في الأقوال والأفعال، ووضع كل شيء في موضعه)(٢).
فجميع الأقوال تدخل في هذا التعريف، لأن الحكمة مأخوذة من الحكم وفصل القضاء الذي هو بمعنى الفصل بين الحق والباطل: يقال: إن فلانا لحكيم بين الحكمة، يعني: أنه بين الإصابة في القول والفعل، فجميع التعاريف داخلة في هذا القول، لأن الإصابة في الأمور إنما تكون عن فهم بها، وعلم، ومعرفة، والمصيب عن فهم منه بمواضع الصواب يكون في جميع أموره: فهما، خاشيا لله، فقيها عالما، عاملا بعلمه، ورعا في دينه... والحكمة أعم من النبوة، والنبوة بعض معانيها وأعلى أقسامها، لأن الأنبياء عليه الصلاة والسلام مسددون، مفهمون، وموفقون لإصابة الصواب في الأقوال، والأفعال، والاعتقادات، وفي جميع الأمور(٣).

(١) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (٣/٣٣٠).
(٢) الحكمة في الدعوة إلى الله (٢٧).
(٣) انظر: تفسير الطبري (١/٤٣٦، ٣/٦١).


الصفحة التالية
Icon