وقال سيد قطب -رحمه الله-: (القصد والاعتدال وإدراك العلل والغايات، والبصيرة المستنيرة التي تهديه للصالح الصائب من الحركات والأعمال)(١).
وكلامهما في غاية الدلالة على صلة الحكمة بالوسطية.
وقال ابن القيم -رحمه الله-: (وأحسن ما قيل في الحكمة قول مجاهد ومالك: أنها معرفة الحق والعمل به، والإصابة في القول والعمل، وهذا لا يكون إلا بفهم القرآن، والفقه في شرائع الإسلام، وحقائق الإيمان)(٢). وقال في موضع آخر: (هي: فعل ما ينبغي، على الوجه الذي ينبغي، في الوقت الذي ينبغي)(٣).
وقوله: (على الوجه الذي ينبغي)، من أقوى دلالات الوسطية، وقال في موضع آخر: (الحكمة أن تعطي كل شيء حقه، ولا تعديه حده، ولا تعجله عن وقته، ولا تؤخره عنه)(٤).
ونخلص مما سبق: أن الحكمة لابد من اعتبارها عند تحديد معنى الوسطية؛ بل إن الالتزام بالوسطية وعدم الجنوح إلى الإفراط أو التفريط هو عين الحكمة وجوهرها، وذلك أن الخروج عن الوسطية له آثاره السلبية، إما عاجلا، أو آجلا، وهذا يخالف الحكمة وينافيها.
ومن الأمثلة التي توضح ذلك:
أمر الابن بالصلاة لسبع سنين، وضربه عليها ضربا غير مبرح بعد بلوغ العاشرة، فإننا نجد التوسط في هذه القضية ظاهرا بين الإفراط والتفريط، وهذه هي الحكمة، حيث فرق بين من لم يبلغ السابعة، وبين من بلغها، وكذلك من بلغ العاشرة يختلف أمره، ثم من أدرك الحلم يختلف عما سبق.. وهكذا، فقد نزل الأمور منازلها، ووضع الأشياء مواضعها، وصدق الله العظيم (وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا) [البقرة: ٢٦٩].
المبحث الثالث
أنواع الحكمة
النوع الأول: حكمة علمية نظرية، وهي الإطلاع على بواطن الأشياء، ومعرفة ارتباط الأسباب بمسبباتها خلقا وأمرًا، قدرًا وشرعًا.
(٢) انظر: التفسير القيم (٢٢٦).
(٣) انظر: مدارج السالكين (٢/٤٧٩).
(٤) انظر: مدارج السالكين (٢/٤٧٨).