(هذه درجة تتضمن ستة أمور: عملا واجتهادًا فيه، وهو بذل المجهود، واقتصادًا، وهو السلوك بين طرفي الإفراط –وهو الجور على النفس- والتفريط بالإضاعة، ووقوفا مع ما يرسمه العلم، ولا وقوفا مع ما يرسمه العلم، لا وقوفا مع داعي الحال، وإفراد المعبود بالإرادة وهو الإخلاص ووقوع الأعمال على الأمر، وهو متابعة السنة، فبهذه الأمور الستة تتم لأهل هذه الدرجة استقامتهم، وبالخروج عن واحد منهم يخرجون عن الاستقامة، إما خروجا كليا، إما خروجا جزئيا.
والسلف يذكرون هذين الأصلين كثيرًا، وهما: الاقتصاد في الأعمال والاعتصام بالسنة، فإن الشيطان يشم قلب العبد ويختبره، فإن رأي فيه داعية للبدعة، وإعراضًا عن كمال الانقياد للسنة، أخرجه عن الاعتصام بها، وإن رأي فيه حصرًا على السنة، وشدة طلب لها: لم يظفر به من باب اقتطاعه عنها، فأمره بالاجتهاد، والجور على النفس، ومجاوزة حد الاقتصاد فيها، قائلا له: إن هذا خير وطاعة، والزيادة والاجتهاد يها أكمل، فلا تفتر أهل الفتور، ولا تنم مع أهل النوم، فلا يزال يحثه ويحرضه، حتى يخرجه عن الاقتصاد فيها، فيخرج عن حدها، كما أن الأول خارج عن هذا الحد، فكذلك هذا الآخر خارج عن الحد الآخر)(١).
وهذا حال الخوارج الذين يحقر أهل الاستقامة صلاتهم مع صلاتهم، وصيامهم مع صيامهم وقراءتهم مع قراءتهم، وكلا الأمرين خروج عن السنة إلى البدعة، لكن هذا إلى بدعة التفريط والإضاعة، والآخر إلى بدعة المجاوزة والإسراف، وقال بعض السلف: (ما أمر الله بأمر إلا وللشيطان فيه نزغتان، إما إلى تفريط، وإما إلى مجاوزة، وهي الإفراط ولا يبالي بأيهما ظفر، زيادة أو نقصان)(٢). وهذا الكلام عن الاستقامة هو عين الوسطية وجوهرها.
الفصل السادس
البينية
تمهيد:
(٢) تهذيب مدارج السالكين (٢/١٠٧).