إن البينة من لوازم وصفات الوسطية، وحيث ذكرت ذلك مختصرا فإني أزيده هنا وضوحا وبيانا، فأقول: إن إطلاق لفظ البينية يدل على وقوع شيء بين شيئين أو أشياء، وقد يكون ذلك حسا ومعنى.
وعندما نقول: إن الوسطية لابد أن تتصف بالبينية، فإننا لا نعني مجرد البينية الظرفية، بل الأمر أعمق من ذلك، حيث إن هذه الكلمة تعطي مدلولا عمليا على أن هذا الأمر فيه اعتدال وتوازن وبعد عن الغلو والتطرف أو الإفراط والتفريط. وبهذا تكون البينية صفة مدح، لا مجرد ظرف عابر ومن هذا التفسير جاءت علاقة البينية بالوسطية، وقد رأيت جمهورا من العلماء ربطوا بين الوسطية والبينية ولا غرابة في ذلك، فإن لهذا أصلا في اللغة والاشتقاق، كما سبق بيان ذلك، وهو المتبادر إلى الأذهان عند إطلاق هذه الكلمة.
المبحث الأول
أقوال العلماء في البينية
ولأهمية هذه القضية سأذكر بعض أقوال العلماء، ومن قال بذلك منهم في القديم والحديث(١).
١- الإمام الطبري، حيث قال في تفسيره: (وأنا أرى أن الوسط في هذا الموضع هو الوسط الذي بمعنى الجزء، الذي هو بين طرفين، مثل وسط الدار. وأرى أن الله تعالى ذكره – إنما وصفهم بأنهم وسط لتوسطهم في الدين، فلا هم أهل غلو فيه، غلو النصارى الذي غلوا بالترهب، وقولهم في عيسى ما قالوا فيه، ولا هم أهل تقصير فيه تقصير اليهود الذين بدلوا كتاب الله، وقتلوا أنبياءهم وكذبوا على ربهم وكفروا به، ولكنهم أهل توسط واعتدال فيه، فوصفهم الله بذلك، إذ كان أحب الأمور إلى الله أوسطها)(٢).

(١) انظر: الوسطية في ضوء القرآن.
(٢) انظر: تفسير الطبري (٢/٦).


الصفحة التالية
Icon