وهذا أمر جلي وبين، فنحن بين عملين وردا في هذا الحديث، تبتل وامتناع عن النساء والزواج مع ما في ذلك من مشقة وحرج ويقابله تزوج النساء مع ما في ذلك من قضاء الوطر، والمودة والرحمة وإنجاب الأولاد.
الأول يمثل الانحراف عن سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- مع ما فيه من مشقة وعسر، والثاني يمثل الوسطية مع ما فيه من تخفيف وتيسير ورحمة، ودفع الحرج، وقل مثل ذلك في الصيام والقيام.
إذن فالوسطية في اليسر ورفع الحرج، وليس في التكليف والمشقة والعنت.
رابعًا: الحكمة
فإنه بالنظر إلى قدرة النفس ومدى تحملها وغفلة هؤلاء القوم عن قدرتهم في فورة الحماس والاندفاع، جاء الرسول -صلى الله عليه وسلم- يضع الأمور في مواضعها، ويجعلها في مسارها الطبيعي، فإن أحب العمل إلى الله ما داوم عليه صاحبه، ولو التزم هؤلاء الرجال بما قالوا لتعبوا عاجلا أو آجر، ثم إن هذا الفعل نفسه مخالفة لصريح الحكمة وحقيقتها وذلك أن الحكمة هي وضع الشيء في موضعه، والإصابة في القول والعمل، وهذا هو عين ما وجه إليه -صلى الله عليه وسلم-.
خامسًا: العدل
وتبرز صفة العدل بالنظر إلى مطالب النفس وواجبات العبادة، فقد جعل لكل منها نصيبا، فعدل بين حق الرب وحق النفس، ولم يكن في ذلك حيف وشطط، وحاشاه من ذلك.
سادسًا: البينية
والأمثلة تبرهن على ذلك:
امتناع عن الزواج مطلقا – إفراط، ويقابله التفريط وهو اتباع الشهوات دون وازع أو قيد وبينهما قضاء الشهوة والوطر، ولكن ضمن الضوابط الشرعية، ويتمثل في الزواج وهذا هو الوسط، وهو المشروع.
صيام دائم – إفراط....
إفطار دائم- تفريط....
الصيام أحيانًا – والفطر أحيانا وسط بين الأمرين وهو المشروع في ضوابطه الشرعية....
القيام مطلقا – إفراط....
النوم مطلقا – تفريط....
القيام والنوم حسب الطاقة ودون تكلف – وسط وهذا هو المشروع(١).