فإنه بعد انتقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى جوار ربه، ومضي عصر الخلافة الراشدة بدأ في عهد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- ظهور التفرق والاختلاف، فخرجت الخوارج ببدعها، وظهرت الشيعة بغلوها وفتنها، ثم توالي ظهور البدع وتكونت الفرق، وتوارثت الأجيال كثيرا من الانحرافات العقدية والسلوكية وغيرها، وابتعدت عن منهج الاعتدال والتوسط الذي رسمه القرآن الكريم ومارسه في الحياة سيد المرسلين فإن المتدبر في الواقع الذي تعيشه الأمة اليوم يري فرقا شاسعا في أهدافها واختلافا في منطلقاتها وغاياتها وفي مشاربها، يرى الإفراط والتفريط والغلو والجفاء والإسراف والتقتير في عموم الأمة، فإذا انتقلنا إلى حال الدعاة والمصلحين الذين أقض مضاجعهم هذا الواقع المؤلم لأمتهم، فشرعوا في البحث عن طرق العلاج ومعرفة أسباب النجاة والتمسك بها لإخراج البشرية من الظلمات إلى النور، ومن الضلالة إلى الهدى، نجد تأثير واقع الأمة على وضعهم، فمنهم المشرق، ومنهم المغرب، ترى المفرط والمفرط، نرى بين هؤلاء الدعاة والمصلحين من غلا وأفرط في الغلو، وعادت أفكار الخوارج القديمة، وهناك من فرط وجفا، وأضاع معالم الدين وأصول العقيدة، حرصًا على جمع الناس دون تزكيتهم وتعليمهم الكتاب والسنة فانتشر الإرجاء وضاعت معالم التوحيد وحقيقة العبادة.
وبين هؤلاء وأولئك وقفت فئة تقتفي الآثر، وتصحح المنهج وتقود الناس إلى الصراط المستقيم على منهج أهل السنة والجماعة وسلف الأمة، ينفون عن هذا الدين غلو الغالين وانتحال المبطلين وتفريط الكسالى والمرجئين ودعاوى المرجفين الزائغين، ووسط هذا الواقع المؤلم والاضطراب المهلك تشتد الحاجة إلى إرشاد الأمة إلى الصراط المستقيم والمنهج الوسط القويم لإنقاذها من كبوتها وإيقاظها من رقدتها، وتذكير الدعاة والمصلحين بالمنهج الحق والطريق البين الواضح: