قال فريد عبد القادر: ومن جملة ما سبق بيانه نستطيع أن نستخلص تعريفا خاصا محدد للوسطية، فنقول: بأن الوسطية هي: مؤهل الأمة الإسلامية من العدالة، والخيرية للقيام بالشهادة على العالمين، وإقامة الحجة عليهم ثم قال: أما ما شاع عند الناس وانتشر من الوقوف عند أصل دلالتها اللغوية، أي التوسط بين طرفين، مهما كان موضوع هذا الوسط –الذي تم اختياره- من صراط الله المستقيم، التزاما وانحرافا، فليس بمفهوم صحيح وفق ما تبينه الآيات والأحاديث(١).
ويؤكد هذا المعني في محل آخر فيقول: ولا يلزم لكل ما يعتبر وسطا في الاصطلاح أن يكون له طرفان، فالعدل وسط ولا يقابله إلا الظلم، والصدق وسط ولا يقابله إلا الكذب(٢).
وهناك من جعل (الوسطية) من التوسط بين الشيئين دون النظر إلى معنى الخيرية التي دل عليها الشرع.
قال الأستاذ فريد عبد القادر: (وقد شاع كذلك عند كثير من الناس استعمال هذا الاصطلاح الرباني، استعمالا فضفاضا يلبس أي وضع أو عرف أو مسلك أرادوه، حتى أصبحت الوسطية في مفهومهم تعني التساهل والتنازل.
وما ذكره الأستاذ فريد في تعريفه للوسطية، وكذلك ما نقله عن غيره ففيه نظر، ويتضح ذلك فيما سيأتي: لأن المتأمل في ما ورد في القرآن والسنة والمأثور من كلام العرب فيما أطلق وأريد به مصطلح الوسطية يتضح له أن هذا المصطلح لا يصح إطلاقه إلا إذا توفرت فيه صفتان:
الخيرية: أو ما يدل عليها كالأفضل والأعدل أو العدل.
البينية: سواء أكانت حسية أو معنوية.
فإذا جاء أحد الوصفين دون الآخر فلا يكون داخلا في مصطلح الوسطية، والقول بأن الوسطية ملازمة للخيرية –أي أن كل أمر يوصف بالخيرية فهو (وسط) – فيه نظر، والعكس هو الصحيح، فكل وسطية تلازمها الخيرية، فلا وسطية بدون خيرية، ولا عكس فلا بد مع الخيرية من البينة حتى تكون وسطا.

(١) انظر الوسطية في الإسلام (٢٩).
(٢) نفس المصدر (٣٣).


الصفحة التالية
Icon