روى الإمام البخاري(١) في صحيحه أن أبا بكر –رضي الله عنه- خطب يوم السقيفة، وكان مما قال يخاطب الأنصار: "ما ذكرتم فيكم من خير فأنتم له أهل، ولن يعرف هذا الأمر إلا لهذا الحي من قريش، هم أوسط العرب نسبا ودارًا"(٢) والوسطية المرادة هنا يظهر فيها معني الخيرية جليا لا لبس فيه، فأين البينية؟
فالبينية تتضح إذا علمنا ما امتازت به قريش من صفات أهلتها لأن تكون خير العرب، وهذه الصفات من الشجاعة والكرم وسائر الصفات الحميدة، هي في حقيقتها صفات اتصفوا بأفضلها، دون إفراط أو تفريط، أو غلو أو جفاء، ولذلك فقد نالوا هذه المنزلة الرفيعة من كون العرب لا تدين إلا لهم وما ذلك إلا لثقتهم في عدلهم من قبائل وأطراف متنافرة في أخلاقها، متباينة في طباعها، وذلك لخصيصة الوسطية فيهم، ويصدق فيهم قول زهير.

إذا نزلت إحدى الليالي بمعظم(٣) هم وسط يرضي الأنام بحكمهم
والعدل هو سبب قبول حكمهم، والعدل فيه صفة البينية بين نوعي الظلم، ولذلك كان وسطيا، فكذلك سائر صفاتهم وبهذا يتضح أن الخيرية والبينية –المعنية- هي التي أهلته لأن يكونوا وسطًا نسبا ودارًا.
(١) هو أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة الجعفي مولاهم إمام المحدثين وشيخ حفاظ زمانه على الإطلاق، ولد ببخاري يوم الجمعة ١٣ شوال ١٩٤ هـ، وهو صاحب الكتاب العظيم في الحديث النبوي صحيح البخاري الذي اعتني به علماء الإسلام اعتناء عظيما حيث بلغ شروحه اثنين وثمانين شرحا، وله مؤلفات كثيرة في علم الجرح والتعديل، انظر ترجمته في مقدمة فتح الباري، والسنة ومكانتها في التشريع للسباعي (٤٤٥).
(٢) انظر: تفسير الطبري (٢/٦).
(٣) انظر: الوسطية في ضوء القرآن (٤٥/٤- ٤٧).


الصفحة التالية
Icon