وقال ابن كثير: ينهي تعالى أهل الكتاب عن الغلو والإطراء وهذا كثير في النصارى، فإنهم تجاوزوا الحد في عيسى حتى رفعوه فوق المنزلة التي أعطاها الله إياه، نقلوه من حيز النبوة إلى أن اتخذوه إلها من دون الله يعبدونه كما يعبدونه، بل غلوا في أتباعه وأشياعه ممن زعم أنه على دينه، فادعوا فيهم العصمة واتبعوهم في كل ما قالوه، سواء كان حقا أو باطلا أو ضلالا أو رشادًا، أو صحيحا أو كذبا ولهذا قال تعالى: (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللهِ) [التوبة: ٣١](١).
أما الآية الثانية فجاءت في سورة المائدة: قال تعالى: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِن قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَن سَوَاءِ السَّبِيلِ) [المائدة: ٧٧].
قال الطبري –رحمه الله-: (لا تفرطوا في القول فيما تدينون به من أمر المسيح فتجاوزوا فيه الحق إلى الباطل، فتقولوا فيه: هو الله، أو هو ابنه، ولكن قولوا هو عبد الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه)(٢).
قال ابن تيمية(٣) –رحمه الله-: والنصارى أكثر غلوا في الاعتقادات والأعمال من سائر الطوائف، وإياهم نهى الله عن الغلو في القرآن(٤).

(١) انظر: تفسير ابن كثير (١/٥٨٩).
(٢) انظر: تفسير الطبري (٦/٣١٦).
(٣) هو شيخ الإسلام وحافظ الدين المجتهد في الأحكام تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن عبد الله بن أبي القاسم بن الخضر بن محمد بن تيمية الحراني الحنبلي، ولد بحران يوم الاثنين (١٠/٣/٦٦١هـ)، وتوفى –رحمه الله- ليلية الاثنين ٢٠ من ذي القعدة ٧٢٨هـ. انظر: الأعلام العلية في مناقب ابن تيمية (١٤).
(٤) اقتضاء الصراط المستقيم (١/٢٨٩).


الصفحة التالية
Icon