ومن غلو النصارى ما ذكره الله في سورة الحديد: (ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الإِنْجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلاَّ ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا) [الحديد: ٢٧].
قال ابن كثير –رحمه الله-: في تفسير آية المائدة: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ) [المائدة: ٧٧]، أي لا تجاوزوا الحد في اتباع الحق، ولا تطروا من أمرتم بتعظيمه فتبالغوا فيه حتى تخرجوه من حيز النبوة إلى مقام الإلهية، كما صنعتم في المسيح، وهو نبي من الأنبياء فجعلتموه إلها من دون الله(١).
وقد وردت بعض الأحاديث التي تنهي عن الغلو، وذكر بعضها يساعد على فهم معناه وحده:
١- عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- غداة جمع: "هلم القط لي الحصى" فلقطت له حصيات من حصى الخذف، فلما وضعهن في يده قال: "نعم بأمثال هؤلاء، وإياكم والغلو في الدين فإنه أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين"(٢).
قال ابن تيمية –رحمه الله-: وهذا عام في جميع أنواع الغلو في الاعتقادات والأعمال، وسبب هذا اللفظ العام رمي الجمار، وهو داخل فيه، مثل الرمي بالحجارة الكبار بناء على أنها أبلغ من الصغار، ثم علله بما يقتضي مجانبة هديهم، أي هدي من كان قبلنا إبعادًا عن الوقوع فيما هلكوا به، وأن المشارك لهم في بعض هديهم يخاف عليه من الهلاك(٣).

(١) انظر: تفسير ابن كثير (٢/٨٢).
(٢) أخرجه ابن ماجه، كتاب المناسك، باب قدر حصى الرمي (٢/١٠٠٨ رقم ٣٠٢٩) وصححه الشيخ الألباني –رحمه الله- في السلسلة الصحيحة رقم (١٢٨٣).
(٣) انظر: تيسير العزيز الحميد (٢٧٥).


الصفحة التالية
Icon