والأحاديث السابقة ترشدنا إلى أن الغلو خروج عن المنهج وتعدي للحد، وعمل ما لم يأذن به الله ولا رسوله -صلى الله عليه وسلم- والأحاديث التي تنهي عن الغلو كثيرة وليس هدفي في هذا البحث حصرها، وإنما اكتفيت ببعض الأحاديث التي لها دلالة على ما نحن بصدده، وهو تحديد معنى الغلو ومفهومه وحكمه، ومن ثم علاقته بالوسطية، ولعلماء المسلمين تعريفات كثيرة لمعنى الغلو، واخترت منها في بحثي هذا تعريفين:
أولا: تعريف ابن تيمية –رحمه الله-: الغلو مجاوزة الحد: مجاوزة بأن يزاد في الشيء في حمده أو ذمه على ما يستحق ونحو ذلك(١).
ثانيا: تعريف ابن حجر –رحمه الله-: إذ يقول: الغلو: المبالغة في الشيء والتشديد فيه بتجاوز الحد(٢).
وضابط الغلو هو التعدي ما أمر الله به، وهو الطغيان الذي نهي عنه(٣) في قوله تعالى: (وَلاَ تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي) [طه: ٨١]، ومما سبق من التعريف اللغوي وما ورد فيه من آيات وأحاديث وكذلك من تعريف العلماء يتضح لنا أن الغلو هو: مجاوزة الحد في الأمر المشروع، وذلك بالزيادة فيه أو المبالغة إلى الحد الذي يخرجه عن الوصف الذي أراده وقصده الشارع العليم الخبير الحكيم.
وقد أفاد وأجاد الشيخ عبد الرحمن بن معلا اللويحق في إيضاح حقيقة الغلو وكشف حدوده ومعالمه في رسالته العلمية: الغلو في الدين.
وقسم الغلو إلى أقسام:
أولا: أن منشأ الغلو بحسب متعلقة ينقسم إلى ما يلي(٤):
أ- إلزام النفس أو الآخرين بما لم يوجبه الله –عز وجل- عبادة وترهبا، ومقياس ذلك الطاقة الذاتية حيث إن تجاوز الطاقة في أمر مشروع يعتبر غلوا، والأدلة على ذلك كثيرة منها:

(١) انظر: اقتضاء الصراط المستقيم (١/٢٨٩).
(٢) انظر: فتح الباري (١٣/٢٥٦).
(٣) انظر: تيسير العزيز الحميد (٢٥٦).
(٤) الغلو في الدين (٨٣).


الصفحة التالية
Icon