وكذلك لو اضطر مسلم إلى شيء محرم، كأكل حيوان محرم أو ميتة، وترك ذلك يؤدي به إلى الهلكة، فإن ذلك من التشدد، وبيان ذلك: أن الله هو الذي حرم هذا الشيء في حالة اليسر، وهو سبحانه الذي أباح أكله في حالة الاضطرار، قال سبحانه: (إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) [لبقرة: ١٧٣].
٣- أن يكون الغلو متعلقا بالحكم على الآخرين، حيث يقف من بعض الناس موقف المادح الغالي، ويقف من آخرين موقف الذام الجافي، ويصفهم بما لا يلزمهم شرعا كالفسق أو المروق من الدين ونحو ذلك، وفي كلا الحالين يترتب على ذلك أعمال هي من الغلو، كالحب والبغض، والولاء والهجر، وغير ذلك.
ثانيا: أن الغلو في حقيقته حركة في اتجاه الأحكام الشرعية والأوامر الإلهية، ولكنها حركة تتجاوز في مداها الحدود التي حدها الشارع، فهو مبالغة في الالتزام بالدين، وليس مروقا عنه في الحقيقة، بل هو نابع من القصد في الالتزام به(١).
ثالثا: أن الغلو ليس هو الفعل فقط؛ بل قد يكون تركا(٢) فترك الحلال كالنوم والأكل ونحوه من أنواع الغلو، إذا كان هذا الترك على سبيل العبادة والتقرب إلى الله كما يفعل بعض الصوفية والنباتيين(٣).
رابعًا: الغلو على نوعين: اعتقادي وعملي.
الاعتقادي على قسمين:
اعتقادي كلي، واعتقادي فقط.
والمراد بالغلو الكلي الاعتقادي ما كان متعلقا بكليات الشريعة وأمهات مسائلها.
أما الاعتقادي فقط فهو ما كان متعلقا بباب ا لعقائد دون غيرها كالغلو في الأئمة وادعاء العصمة لهم، أو الغلو في البراءة من المجتمع العاصي أو تكفير أفراده واعتزالهم.

(١) انظر: الغلو في الدين (٨٤).
(٢) مع الترك قد يكون فعلا.
(٣) المصدر السابق (٨٤).


الصفحة التالية
Icon