وقال آخرون: إنهم معجلون إلى النار مقدمون إليها، وذهبوا في ذلك إلى قول العرب: أفرطنا فلانا في طلب الماء إذا قدموه لإصلاح الدلاء، وقيل غير ذلك، ورجح الطبري -رحمه الله- أن معنى (مفرطون) مخلفون متروكون في النار، منسيون فيها(١).
وقال تعالى في سورة الكهف: (وَلاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا) [الكهف: ٢٨] روى عن مجاهد -رحمه الله-: (وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا) ضائعا وروى عنه: ضياعا.
قال الطبري -رحمه الله-: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب، قول من قال: معناه: ضياعا وهلاكا، ومن قولهم: أفرط فلان في هذا الأمر إفراطًا، إذا أسرف فيه وتجاوز قدره، وكذلك قوله: (وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا) معناه: وكان أمر هذا الذي أغفلنا قلبه عن ذكرنا الرياء والكبر، واحتقار أهل الإيمان، سرفًا قد تجاوز حده فضيع بذلك الحق وهلك(٢).
وقال ابن الجوزي -رحمه الله-: في الآية أربعة أقوال أحدها: أنه أفرط في قوله.
والثاني: ضياعا، والثالث: ندما، والرابع: كان أمره التفريط، والتفريط: تقديم العجز(٣).
وفي سورة الزمر (أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطَتُ فِي جَنْبِ اللهِ وَإِن كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ) [الزمر: ٥٦].
قال الطبري -رحمه الله-: يقول: على ما ضيعت من العمل بما أمرني الله به، وقصرت في الدنيا في طاعة الله(٤).
وقال القاسمي -رحمه الله-: (يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطَتُ ) أي قصرت (فِي جَنْبِ اللهِ) أي في جانب أمره ونهيه(٥).

(١) انظر: تفسير الطبري (١٤/١٧٧).
(٢) انظر: المرجع السابق (١٥/٢٣٦).
(٣) انظر: زاد المسير (٥/١٣٣).
(٤) انظر: تفسير الطبري (٢٤/١٩).
(٥) تفسير القاسمي :(١٤/٥١٤٦).


الصفحة التالية
Icon