هذا تفسير الآيات التي ورد فيها ما يدل على التفريط، ومن خلال أقوال المفسرين تبين أنها تدل على الترك والتهاون والتقصير والتضييع مع اختلاف بسيط بين مدلول هذه المعاني وكلها في مقابل الإفراط والغلو.
ثانيا: الجفاء:
فقال ابن فارس -رحمه الله-: الجيم والفاء والحرف المعتل يدل على أصل واحد: نبو الشيء عن الشيء، من ذلك: جفوت الرجل، جفوة، وهو ظاهر الجفوة، أي الجفاء، وجفاء السرج عن ظهر الفرس، وأجفيته أنا. وكذلك كل شيء إذا لم يلزم شيئا، يقال: جفا عنه يجفو.
والجفاء: خلاف البر، والجفاء: ما نفاه السيل، ومنه اشتقاق الجفاء(١).
وقال ابن منظور(٢): جفا الشيء يجفو جفاء وتجافي: لم يلزم مكانه، كالسرج يجفو عن الظهر وكالجنب يجفو عن الفراش، وفي التنزيل: (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ) [السجدة: ١٦] وفي الحديث: "اقرؤوا القرآن ولا تجافوا عنه"(٣) أي تعاهدوه ولا تبتعدوا عن تلاوته.
وفي الحديث عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "الحياء من الإيمان والإيمان في الجنة، والبذاء من الجفاء، والجفاء في النار"(٤).
وفي الحديث أيضًا: "من بدا جفاء"(٥)، بدا: بالدال المهلة، خرج إلى البادية، والجفاء غلظ الطبع، وفي صفته -صلى الله عليه وسلم- ليس بالجافي المهين أي: ليس بالغليظ الخلقة ولا الطبع(٦).
وقال تعالى: (فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً) [الرعد: ١٧].

(١) انظر: مقاييس اللغة، كتاب الجيم، باب الجيم والفاء، مادة جفو (١/٤٦٥).
(٢) انظر: لسان العرب، فصل الجيم، باب جفا (١/٤٩).
(٣) أخرجه أحمد في المسند (٣/٤٢٨، ٤٤٤) وصححه الشيخ الألباني في صحيح الجامع رقم (١١٦٨).
(٤) أخرجه الترمذي كتاب الصلة والبر، باب ما جاء في الحياء (٤/٣٢٠ رقم ٢٠٠٩).
(٥) أخرجه أحمد (٢/٣٧١، ٤٤٠) وصححه الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة رقم (١٢٧٣).
(٦) انظر: لسان العرب، فصل الجيم، باب جفا (١/٤٩).


الصفحة التالية
Icon