قال الطبري -رحمه الله-: زعم بعض أهل العربية من أهل البصرة أن معنى قوله: (فَيَذْهَبُ جُفَاءً) تنشفه الأرض، وقال: يقال: جفا الوادي وأجفى،: في معني نشف(١).
وقال تعالى: (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ) [السجدة: ١٦]، قال الطبري -رحمه الله-: تتنحى جنوب هؤلاء الذين يؤمنون بآيات الله الذين وصفت صفتهم، وترفع عن مضاجعهم التي يضجعون لمنامهم، ولا ينامون.
تتجافى: تتفاعل من الجفاء، والجفاء النبو، وإنما وصفهم – تعالى ذكره- بالتجافي في جنوبهم عن المضاجع لتركهم الاضطجاع للنوم شغلا بالصلاة.
ثم قال: إن الله وصف هؤلاء القوم بأن جنوبهم تنبو عن مضاجعهم شغلا منهم بدعاء ربهم وعبادته خوفا وطمعا، وذلك نبو جنوبهم عن المضاجع ليلا.. إلخ(٢).
وبذلك يتضح أن الجفاء هو النبو والترك، والبعد، وهو غالبا ما يحدث خلاف الأصل والعادة، وأكثر ما تستعمل كلمة جفاء لما هو محرم منهي عنه كالجفاء بما يقابله الصلة والبر، والجفاء الذي هو من الشدة والغلظة وهذه أمثلة يتضح فيها معنى التفريط والجفاء.
عقوق الوالدين: جفاء.
تأخير عمل اليوم إلى الغد – دون سبب-: تفريط.
إهمال تربية الأولاد: تفريط.
ترك الأخذ بالأسباب: تفريط.
رؤية المنكرات وعدم إنكارها مع القدرة على ذلك: تفريط.
الغلظة في المعاملة: جفاء.
تأخير الصلاة عن وقتها: تفريط.
السلبية مع واقع المسلمين وشؤونهم وشجونهم: جفاء وتفريط.
عدم القيام بحقوق العلماء وضعف الصلة بهم: جفاء وتفريط.
قطع الأرحام وعدم صلتهم: جفاء وتفريط.
وبهذا يتبين معنى التفريط والجفاء، وأن بينهما عموما وخصوصا وهما يقابلان معنى الغلو والإفراط.
وعند التأمل في استعمال العرب لهما يلاحظ.
أن الجفاء يستعمل –غالبا- فيما فيه قصد الأمر من الترك والبعد وسوء الخلق. أما التفريط فمنشؤه –غالبا- التساهل والتهاون.

(١) انظر: تفسير الطبري (١٣/١٣٧).
(٢) انظر: تفسير الطبري (٢١/٩٩-١٠٢).


الصفحة التالية
Icon