وذكر القرطبي -رحمه الله- في تفسيره: أن رجلا قال لابن مسعود -رضي الله عنه-: ما الصراط المستقيم؟ قال: تركنا محمد -صلى الله عليه وسلم- في أداه وطرفه في الجنة، وعن يمينه جواد، وعن يساره جواد، وثم رجال يبدعون من مر بهم، فمن أخذ في تلك الجواد انتهت به إلى النار، ومن أخذ عن الصراط انتهى به إلى الجنة، ثم قرأ ابن مسعود: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا) [الأنعام: ١٥٣](١).
وبالتأمل فيما سبق يتضح لنا ما يلي:
أن الصراط المستقيم: يمثل قمة الوسطية وذروة سنامها وأعلى درجاتها، وآيتا الفاتحة والبقرة حجة قاطعة في ذلك.
أن الوسطية تعني الخيرية، سواء أكانت خير الخيرين أو خيرًا بين شرين، أو خيرًا بين أمرين متفاوتين، وقد سبق تفصيل ذلك.
أن المقياس لتحديد الخيرية هو الشرع، وليس هوى الناس أو ما تعارفوا عليه أو ألفوه، فإن مفهوم الوسطية عند كثير من الناس تعني التنازل أو التساهل؛ بل والمداهنة أحيانا، حيث يختارون الأمر بين الخير والشر وهو إلى الشر أقرب في حقيقته ومآله، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا.
أن هناك عوامل كثيرة، وأصولا معتبرة(٢)، تجب مراعاتها عند ضبط مفهوم الوسطية وتطبيقها على أمر من الأمور، حيث إن قصر النظر على أمر دون آخر يؤدي إلى خلاف ذلك ومجانبته.
الباب الثاني
ملامح الوسطية
الباب الثاني
ملامح الوسطية
تمهيد:
للوسطية ملامح وسمات تحف بها، وتميزها عن غيرها، بمجموع تلك الملامح لا بأفرادها، وقد طالعت ما ورد في وسطية هذه الأمة بين الأمم، وكذلك ما كتبه بعض الذين بحثوا في الوسطية، ومن خلال استقراء القرآن الكريم توصلت إلى تحديد سمات وملامح الوسطية.

(١) يختلف ذلك باختلاف الأحوال والقضايا، ولكل حالة ما يناسبها ضمن الضوابط الشرعية.
(٢) انظر: الوسطية في ضوء القرآن (٧٩، ٨٠، ٨١).


الصفحة التالية
Icon