قال أبو مسعود(١) -رحمه الله-: (تؤمنون بالله) أي إيمانا متعلقا بكل ما يجب أن يؤمن به من رسول وكتاب وحساب وجزاء، وإنما لم يصرح به تفصيلا لظهور أنه الذي يؤمن به المؤمنون، وللإيذان بأنه هو الإيمان بالله تعالى حقيقة(٢)، وقال القاسمي -رحمه الله-: ثم بين وجه الخيرية بما لم يحصل مجموعه لغيرهم بقوله: (تَأمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ) [آل عمران: ١١٠]، فبهذه الصفات فضلوا على غيرهم ممن قال تعالى فيهم: (كَانُوا لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ) [المائدة: ٧٩]، (وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ) [النساء: ١٥٠].
وقال محمد رشيد -رحمه الله-: والحق أقول: إن هذه الأمة ما فتئت خير أمة أخرجت للناس، حتى تركت الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، ثم قال: وقد بين الفخر الرازي كون وصف الأمة هنا بالأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والإيمان علة لكونها خير أمة أخرجت للناس، فقال: واعلم أن هذا الكلام مستأنف والمقصود منه بيان علة تلك الخيرية، كما تقول: زيد كريم، يطعم الناس ويكسوهم، ويقوم بما يصلحهم.
وتحقيق الكلام أنه ثبت في أصول الفقه أن ذكر الحكم مقرونا بالوصف المناسب له يدل على كون ذلك الحكم معللا بذلك الوصف، ههنا حكم تعالى بثبوت وصف الخيرية لهذه الأمة، ثم ذكر عقيبه هذا الحكم وهذه الطاعات، أعنى الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والإيمان، فوجب كون تلك الخيرية معللة بهذه العبادات(٣).
(٢) انظر: تفسير القاسمي (٤/٩٣٦).
(٣) انظر: تسير المنار (٤/٦٠).