ولما كان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بهذه المثابة، عدهما كثير من السلف شرطا في استحقاق الخيرية المشار إليها في الآية مع الإيمان بالله –عز وجل-، كما روى ابن جرير -رحمه الله-: بسنده عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، أنه في حجة حجها قرأ هذه الآية: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) الآية، ثم قال: يا أيها الناس من سره أن يكون من تلك الأمة ليؤد شرط الله منها(١)، وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وأخرج عن مجاهد -رحمه الله-: في قوله تعالى: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ)، يقول: على هذا الشرط: أن تأمروا بالمعروف، وتنهوا عن المنكر وتؤمنوا بالله(٢).
ولقد كانت هذه الأمة أكثر الأمم قياما بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بل لم يكن في أمة من الأمم من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، مثل ما في هذه الأمة، إذ كانت أعظم الأمم التي قبلنا وهم بنو إسرائيل مفرطين فيهما غير قائمين بهما، كما قص الله –عز وجل- علينا خبرهم في قوله تعالى: (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ *كَانُوا لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ) [المائدة: ٧٨-٧٩].
(٢) المصدر السابق (٧/١٠٢).