لقد كان هذا الصحابي الجليل خير سفير لهذه الأمة إلى رستم وقومه، بين له مهمة هذه الأمة، وهدفها، وهو أنها لم تخرج لطلب ملك، أو مال أو دنيا وسلطان، وإنما أخرجها الله وابتعثها، كما قال –عز وجل: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) [آل عمران: ١١٠] بالبناء للمجهول للدلالة على أنها لم تخرج بنفسها لهوى أو مصلحة ذاتية، وغنما أخرجت للناس، والله هو الذي أخرجها، لتدعو الخلق إلى عبادة الخالق دون المخلوق، ليس لها هدف سوى ذلك، فإن هو تحقق كان ذلك غاية ما تطمح إليه وتسعد به (فمن قبل منا ذلك، قبلنا ذلك منه ورجعنا عنه، وتركناه وأرضه يليها دوننا)(١).
من أجل ذلك كانت هذه الأمة خير الأمم للناس، لأنها تدعوهم إلى الخير، ولا ترجو منهم ثمنا له، بل تجاهد من يحول بينها وبين تبليغ عباد الله دين الله، حتى يخلي بينهم وبينه، ثم بعد ذلك من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر، إذا تبين للناس الرشد من الغي كما قال تعالى: (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ) [البقرة: ٢٥٦]، (وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا) [الكهف: ٢٩].
لكن هذه الأمة بما أوتيت من حب الخير للغير، تكره للناس أن ينتهوا إلى هذا المصير الرهيب، وتجهد نفسها – في غير من ولا أذى- في سبيل أن تحول بينهم وبينه، إن أمة تحمل للبشرية كل هذا الخير، غير مبالية بما يلقى من عنت وتعب ونصب، بما في ذلك القتل والقتال، وفراق المال والعيال، لهي بحق خليقة بأن تكون: (خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) لأنها تسعى لنفعهم وهدايتهم وإنقاذهم من العذاب والعقاب الذي ينتظرهم.

(١) انظر: وسطية أهل السنة بين الفرق (٢١١).


الصفحة التالية
Icon